تنهشني الكآبة هذا الصباح ويسيطر علي الحزن..لا أدري لماذا..
أذكر أنني تصنعت الحزن مرارا لأثير اهتمام والدي، وبعدها بدأت ألجأ إلى الحزن والكآبة ليساعداني على التفكير العميق في كنه الأشياء، بعد ذلك أصبحت هذه العادة تساعدني على تجاوز الأيام العصيبة والحزينة لأنني عودت نفسي على الحزن .
مجموعة من الحيل ابتكرتها لنفسي حتى أتغلب على نوائب الحياة، وتصنع الكآبة إحداها.
اليوم تناولت فطوري من غير شهية. ثم فزعت إلى المرآة، وجهي تبدو عليه علامات السعادة الكاملة رغم إحساسي بالتعاسة. وقفت طويلا أمام المرآة وأنا أمعن النظر علني أجد إشارة ..خيطا يربط وجهي المنعكس عليها بالكآبة أو الحزن ..فلم أجد.
غاظتني المرآة الغبية التي لاتدرك كنه الأمور ..قصدت مرآة أخرى في غرفة النوم ...فأظهرت عيني تشع منهما السعادة المفرطة وابتسامة خفيفة هادئة تنفلت من شفتي ...وأنا أبدو مرتاحة..
لم أصدقها أبدا ....أنا من يقرر هل تنهشني الكآبة أم تتملكني السعادة ...من تكون هذه المرآة الكاذبة لتغير خططي ...لتنفذ إلى أعماقي ..لتكشفني هكذا ..وتجعلني عارية ..كما الأشجار في فصل الخريف ..
أيتها المعتوهة نحن في فصل الربيع والطبيعة بالخارج تصدح جمالا وتتنفس عطرا ونقاء.... ما رأيك أيتها اللعينة ...أيتها الماردة الشريرة ...هل الطبيعة أيضا مخادعة؟ ...تبا لك أيتها الكاذبة...
بكيت واتجهت إلى المرآة والدموع تنهمر فوق خدي، وكم كانت صدمتي كبيرة عندما ظهر وجهي وقد طفت عليه السعادة والمرح ....تبا ..تبا لك أيتها المجنونة ...
غسلت وجهي وأقبلت على نهاري وأنامستسلمة ..هادئة ...مرتاحة ...سعيدة ...
هل بدأت أهلوس بعد أكثر من عشرين يوما من الحجر ؟
أذكر أن إعدادية المشيشي نظمت حفلة بمناسبة أحد الأعياد الوطنية. ارتديت فستانا متواضعا ..لم أكن مرتاحة له أبدا وحذاء اكتريته من أختي بدرهمين ..شعري كان طويلا وقد أصبح منسدلا بفضل الظفيرة ليلة كاملة. ...وصلت إعدادية المشيشي والتقيت بصديقاتي ..بدا لي للوهلة الاولى أنهن جميعا يرتدين لباسا أفضل مني ... ....أصابتني الكآبة فجأة ...وأحسست بالمهانة وهممت بالانسحاب ...أخرجت من جيب فستاني منديلي المزركش الذي طالما احببته ونظرت إليه ..فبدا لي لونه شاحبا وكأنه متسخ لا يليق بحفلة ..أعدته الى جيب فستاني سريعا وأنا محرجة ...ثم نظرت إلى حذائي الذي كلفني درهمين فوجدته كذلك لا يرقى إلى مستوى هذه الحفلة، لا بل ظننت أن حذائي الذي تركته في المنزل كان أفضل ...
قبل أن أقرر الانسحاب والعودة إلى المنزل ..توسلت حيلة ابتكرتها آنذاك ومازلت أعمل بها : ابتسمت ابتسامة خفيفة ثم ازدادت ابتسامتي، ثم بدأت أضحك ...وسرعان ما أصبحت سعيدة مثل طائر حر رغم أنه مكسور الجناحين ...تركت الحزن وقد انحدر الى الدرك الأسفل من النفس ...لعبت وضحكت وتجرأت وأخرجت منديلي من جيبي ومسحت به أصابعي بعد أكل الحلوى دون أدنى حرج ...
وكم كانت سعادتي عميقة بالفعل ذلك اليوم وأنا أتأكد بنفسي أن لا أحد اهتم أبدا ،أو لاحظ شيئا يدعو للسخرية أو الشفقة ...
الساعة تشير إلى الثانية ظهرا ..إنه وقت توجهي إلى دار الشباب لأتطوع بثلاث ساعات ونصف من وقتي في إطار لجنة اليقظة للحد من انتشار وباء كورونا بشفشاون ...
الغروب اليوم بطعم مختلف، طعم الجمال والسعادة الحقيقية لا السعادة المتصنعة، ومدينة شفشاون بفضل تظافر جهود السلطات والساكنة ما زالت تحافظ على نظافتها من فيروس كورونا اللعين.
وأصابعي تسبقني للنقر على زر موقع انتشار كورونا في المغرب لأجد العدد قد وصل 1545 حالة مؤكدة.
عوالمنا الداخلية ملك لنا ...نتحكم فيها بإرادتنا ...نحقنها بما نحتاجه من جرعات سعادة أو حزن .. يكفي أن نبحث في دواخلنا .
هكذا أنا دائما، اعتدت أن أجعل الكآبة سعادة، وهذا الداء اللعين المسمى كورونا سأخنقه وأصيره فرحا وحبورا مابقي أمامي من أيام الحجر الصحي.
شفشاون 11 أبريل 2020.
الصورة بعدسة الصديقة جميلة أقريو .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق