يفتتح الشاعر قصيدته بالعودة إلى عالم الطفولة والتأملّ والنقاء، بقوله :
(أسير بخطى مجهولة)
فالسليم هو من يجهل هذا العالم المتناقض ، فالشاعر هنا يملك عقل طفل وقلبه ورجليه وبراءته، لأنه يحمل على أكتافه مسافات طويلة وشوارع من الأسئلة
(على أكتافي مسافات وشوارع ظامئة)
هنا يكمن سرّ إبداع الشاعر وحسه الوجداني والوطني فهو عالم بما يمرّ به بلده العراق وبذلك أسند العطش إلى الشوارع ، قد يكون قاصدا بذلك أيتام العراق الذين يتسولون في الشوارع أو الثكالى اللواتي تتوسلن المارّة رفقا بهن وبفقرهن ، "فالشوارع الظامئة والمسافات" فبتعبيره المجازي الجميل هنا جعل من الصورة مفتوحة على أكثر من باب للتأويل ، فلعلها المسافات التي يحملها على أكتافه هي تلك المسافات بينه وبين حقوقه .. ثم قوله :
(أبحث عن لحظات تحتويني بخشوع)
هنا يصل الشاعر ذروة الاستياء والعجز الذي يعانيه كل عراقي ألا وهو البحث عن الذات فالشاعر لم يستخدم أسلوب الاستفهام ولا أسلوب النفي حول اللحظات التي ستحتويه ببحثه عنها ولكنه ترك شيئا نستدل عليه وهو (أسير بخطى مجهولة) فمن هنا نستدرك وكأن الشاعر يطمح لتلك اللحظات ولكن دون جدوى ، أي أنه مجاز متضمن معنى النفي ولو وقفنا عند الصورة الآتية :
(بجعبتي الكثير
من الأسئلة ، أعرف )
هل الأسئلة تكون في الجعبة ؟! بالتأكيد لا وإنما شبّه الجعبة بجهاز الذاكرة وهذا هو النفَس الشعري وهو الابتعاد عن المباشراتية باستخدام الصورة البلاغية أو ما يسمى بالاستعارة ، سبق وذكرنا النص هو عودة لعالم الطفولة ولكن بأسلوب جميل ولغة بهيّة وكأن الطفل عنده في العراق يشعر بما يشعر به المسنّ بسبب تكالب الأحداث على وطننا الحبيب ، وهذه الأسئلة
(إجابتها بالأسرار تكمن)
فالنص متماسك ببعضه كل صورة تعد تهيّئا لما بعدها ، ومما يؤكد قولنا استخدامه النفي المجازي لبحثه عن لحظات تحتويه بخشوع وهي الأسئلة ذاتها التي تلتزم السكوت عن الإجابة لأنه في نظر الشاعر إنها أسرار لا بوح بها لطالما الحكومات التي عاصرها بالرغم من المناشدات والاعتصامات لن تعطي المحقّ حقّه من المواطنين ..
(كل شيء قد حدث
كأني ولدت للتو
مضطرب بشظايا الصبر)
لا يخرج الشاعر عن عالمه الطفولي ولا تتخلى عنه أحزان بلاده على الرغم من صبره الطفولي الجميل ، فهو يزين كل إطار في النص بصورة شعرية ولوحة ثرية تؤكد على شاعريته وثراءه اللغوي إلى أن يصل به الحال إلى التمرّد على الذات ، ولكن ببراءة طفولية نقية وسكون ..
(أتمرد على أنا ، ببراءة وسكون)
إلى أن تصبح أكبر أمنياته ونداءاته هو التحلّق بجنح فراشة إلى جنائن الرّوح وضمة الورد وبحثه عن وطنٍ يحرره من قيوده ليضع رأسه على خريطته ، وكتفه مفرّغ من حمل أسئلة الجوع والعطش
(ليت ندائي يحلق بأجنحة فراشة
بين جنائن الروح وضمة ورد
لمكان أسند أليه رأسي
وتنصهر القيود.)
فهذه أكبر أمنياتنا نحن جميعا كعراقيين هو التفرغ من الأسئلة التي نحملها على أكتافنا رغم علمنا باجاباتها لكن ننتظر أحدا يعطي إجابة مقنعة ويعيدنا إلى عالمنا الذي لم نعِشه ..
.......................
نص جميل يستحق التقدير والقراءة .. دمت معطاء صديقي العزيز
(( أسئلة ممنوعة من الإجابة ))
أسير بخطى مجهولة
على أكتافي مسافات وشوارع ظامئة
أبحث عن لحظات تحتويني بخشوع
بجعبتي الكثير من الأسئلة
أعرف
إجاباتها بالأسرار تكمن.
كل شيء قد حدث
كأني ولدت للتو
مضطرب بشظايا الصبر
أتمرد على أنا
ببراءة وسكون
ليت ندائي يحلق بأجنحة فراشة
بين جنائن الروح وضمة ورد
لمكان أسند أليه رأسي
وتنصهر القيود.
عدنان جمعة/بغداد/2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق