من يطالع الومضات الشعرية للشاعر( سعدون شفيق سعيد ) الخمس، يجد نفسه وسط فيض من الأحاسيس والعواطف المزدحمة، المنحوتة بكلمات تنساب بعذوبة ، لتأسر وجداننا ،فتنحاز مرغمة إلى همه الوجداني والعاطفي الذي اشتغل عليه.وعلى الرغم من أن هذه الومضات الشعرية منفصلة بالترقيم ( الأولى ، الثانية ، الثالثة ، الرابعة ، الخامسة ) من دون وضع عناوين لكل ومضة ،إلا اننا نلمس بسهولة ،أنها تشكل بمجموعها قصيدة واحدة ، يربط بين كل ومضة ،وما بعدها خيط حريري مثل الخيط الذي تنتظم فيه حبات اللؤلؤ، لتشكل لنا في الأخيرعقدا جميلا تتباهى به أعناق الغيد الحسان..
اللغة الشعرية التي اشتغل عليها الشاعر ومضاته الخمس تتميز بالأناقة وحسن اختيار الكلمة ليكون لوقعها في نفس المتلقي تأثيرا بالغا ، وليشده إلى آخر كلمة فيها. تشعرك إنها همسات رقيقة باذخة الجمال والروعة .فالشاعر يمتطي صهوة الموج لحب يموج بالدفء.
لكنها الصحراء ما برحت
تعانق زهر الشوك
بلا شوق!!
لماذا؟....لأنه اختار المطر المنهمر من عين حبيبته .
وآه من رحيل
يبكيه
ويبكيها.
وهكذا ينهمر شلال العواطف والأحاسيس التي جادت بها قريحة الشاعر ليرسم لنا لوحة جميلة ( للشمس الآتية من وداع الليل المسافر)حتى صورة الفنارات التي تومض في الظلمة .ومع هذا الفيض الوجداني الذي طغى على أجواء المشهد الشعري ، فالشاعر ما برح يؤكد لنا أن :
حبه لم يزل يغفو على أعتاب
المرافئ البعيدة
فهو كالطائر الذي ما عادت جناحاه جناحيه ...هنا يرسم لنا الشاعر لوحته الجميلة بكلماته المنتقاة بذائقة شعرية رفيعة لتسكن هواجسه قلوب متلقيه بكل يسر.
ومع أن الشاعر يقر ويشهد لنا بانه :
( يموت على حب حبيبته )على الرغم من مرور طيفها في ليل الرجاء ، كالنجم :
يسطع بالضوء
يمتهن التلألؤ
للبقاء
وحبها ، قد يقتل في التو
او يباع مع الجواري
والعبيد...
فهو هنا في هذا المقطع الأخير من ومضته الشعرية الخامسة، يهمس الشاعر في أذننا أن حبيبته هذه يمكن ان تكون قضية يؤمن بها ، ظلت لصيقة وجدانه ،وروحه ومشاعره ، وربما هي واحدة من الأماني التي ظلت تختزنها الروح ، وما أكثر الأماني في حياة كل شاعر بل كل إنسان ،و التي يعيش العمر بانتظار أن تحققها له الأيام .
وأقولها بكل صراحة :
وأنا اقرأ هذه الومضات الرائعة لصديقنا الشاعر سعدون شفيق سعيد أحسست أنني أقف أما قامة شعرية أدبية سامقة بلورتها التجارب والنتاج الأدبي المتنوع الثر طيلة أكثر من نصف قرن من الإبداع والعطاء الأدبي والفني غير المنقطع .
تحياتي للصديق العزيز، متمنيا له مزيدا من التألق الشعري في ظل الصحة والعافية بإذنه تعالى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم : مجيد الزبيدي - بغداد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومضات في محراب الحب
الشاعر سعدون شفيق سعيد
الومضة الأولى /
من يومنا أمست مراكبنا ..
تجول في أركانها الريحُ هاربة ..
وتعتلي جدرانَها الذكرى أشباحا ،
يراقصها البردُ ..
والبرقُ ..
والرعدُ !!
لكنَّ أشرعتي مازلت أرتقها ..
كي امتطي صهوة الموج ،
لحبٍ يموج بالدفء !!
لكنها الصحراء مابرحتْ ..
تعانق زهرَ الشوك ،
بلا شوق !!
الومضة الثانية :
الليلُ يطفح من أعماق عزلته ..
والصبح إن هلَّ يوما ،
فمن بين أهدابِ عينها !!
وحين أمستْ بذاكرته ..
ناء بها ..
وحار مابين اللالئ ،
والياقوت .
والمرجان !!
لكنّه اختار المطر المنهمر ،
من عينيها !!
وآه من رحيل ..
يبكيه ...
ويبكيها !!
الومضة الثالثة /
لتشرق الشمسُ الآتية من وداع ،
الليل المسافر ..
ولتأتي الريح الهاربة من وهج ،
الإعصار !!
وأنت .. كما أنت ..
يداعب وجهك دفئي ..
ويغفو على أحضانك ليلى !!
لكن الذي بات يقلقني ..
همس .. وأصداء .. وصوت ..
وصمت بتُّ لا افهمه ..
كأنّي كذاك المتيم الولهان ،
والمسكون بالحب !!
الومضة الرابعة /
الليل ذات الليل ..
ودوامات النجوم الراكضة نحو النوافذ ،
تواصل الابتهال ..
وحبه لم يزلْ يغفو على أعتاب ،
المرافئ البعيدة ..
او عند الفنارات التي تومض ،
بوجه الظلمة ..
وكان عليه التوقف
عند ناصية الزمن الرتيب ..
كالطائر الذي ماعادت جناحاه ،
جناحيه ...
الومضة الخامسة /
مرّتْ مرور الطيف في ليل ،
الرجاء .
كالنجم يسطع بالضوء ،
يمتهن التلألؤ
للبقاء !!
وحبُّها ، قد يقتل في التو ..
او قد يباع مع الجواري ،
والعبيد !!
لكنني .. أشهد اني أموت ..
على حبها !!
-----------------------------------------
* الشاعر سعدون شفيق سعيد كاتب و سنارست وممثل سينمائي وشاعر ومصور وصحفي .من مواليد العراق/محافظة ديالى/بعقوبة عام 1942 له الكثير من المؤلفات المطبوعة في كل مجالات اهتمامه وهو ما يزال يرفد الساحة الأدبية والفنية والإذاعية بمختلف النشاطات .هو الآن عضواتحاد الأدباء العراقيين.عضو نقابة الفنانين العراقيين.مؤسس جمعية المصورين العراقيين.عضو نقابة الصحفيين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق