( الشاعر ابن قزمان الاندلسي )
هو أبو بكر محمد بن عبد الملك بن عيسى بن قزمان الزهري القرطبي . وأسرته كانت من أكابر الأسر العريقة في قرطبة و في الأندلس .
ولد بمدينة ( قرطبة )سنة\460هـجرية- 1068ميلادية وقيل في رواية اخرى ولادته في سنة\ 470 هجرية - ميلادية 1078وكانت قرطبة في هذا الوقت تحت حكم ملوك الطوائف، الذين جعلوا من الأندلس أكثر من عشرين دويلة من أبرزها دولة بني جهور في قرطبة ودولة بني عباد في إشبيلية.
وعلى الرغم من أن قرطبة فقدت في ذلك الحين المنزلة السياسية والهيمنة العسكرية، إلا أنها بقيت مركزا للإشعاع الفكري والأدبي والفني والعمراني. ، شاعر وزجال و من أشهر الزجَّالين بالأندلس، نشأ في بيت سيادة وعز وكان اهله بين عالم ووزير. فقد عاش ابن قزمان في القرن الخامس الهجري في أسرة كان لها حضور ثقافي وأدبي وسياسي في الأندلس. وكان مبدعا، عاش حياته في طلب اللذة والمتعة واقتناص لذات الحياة حتى في شهر رمضان المبارك. وما ا شبهه الا بأبي نواس في وصف الخمرة وذكر اللذات والشهوات الدنيوية.
اشْتُهِرَ بالزَّجل حتى رُوي زجله ببغداد، وأحسن، فصار شيخ الصِّناعة في الزجل المنظوم بكلام العامَّة في الأندلس.
قال المقَّري عنه في كتابه (أزهار الرياض ):
(لمّا شاع فن التَّوشيح في أهل الأندلس، وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وتصريع أجزائه؛ نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله، ونظموا على طريقته بلغتهم الحضريَّة، من غير أن يلتزموا فيه إعراباً، واستحدثوا فنّاً سمّوه بالزَّجل، والتزموا النظم فيه على مناحيهم إلى هذا العهد، فجاؤوا فيه بالغرائب، واتسع فيه للبلاغ مجال … وأوَّلُ من أبدع في هذه الطريقة الزَّجلية أبو بكر بن قُزمان، وإن كانت قيلت قبله بالأندلس، لكن لم تظهر حُلاها، ولا انسبكت معانيها، ولا اشتهرت رشاقتها إلا في زمانه ).
ابن قزمان قرطبيَّ الدار؛ غير أنَّه تردد كثيراً إلى ( إشبيلية )، خرج مرَّة إلى متنزه مع بعض أصحابه بضفاف نهرها الخالد؛ فجلسوا تحت عَريش وأمامهم تمثال أسد من رخام يصب الماء من فيه على صفائح من الحجر، فقال :
وعريشْ قد قام على دكَّـان
بحــال رُواقْ
وأســد قد ابتلعَ الثُّعبـان
في غِلَظِ سـاقْ
وفتح فمَهْ بحالْ إنســـانْ
بـه الفَــواقْ
من أزجاله التي سارت في الناس قوله:
أُفني زماني على اختيـاري
وأقطع العمـر باجتهادْ
لم يخْلُ حسّ الطَّربْ بداري
حتى يميلْ راسِ للوِسادْ
واحدْ مؤذّنْ سـكنْ جِواري
شـيخْ مليحْ أزهد العِبادْ
إذا طلعْ في السَّحَرْ يَعِظْنِي
يقـولْ حيَّ على الفلاحْ
وقد خرج بالزجل إلى غير الغزل والمجون، فجعله في الوصف والمديح والشكوى، فمن ذلك قوله شاكياً دهره بالعيد:
قُلّي يا عيدْ فيما يسرُّني جِيتْ
أو تجدِّدْ عليّ ما قد نسيتْ
إذا انقطعْ زمــاني الأطولْ
وعليه الثَّنا يكون ما بقيتْ
وكان ابن قزمان أديباً شاعراً من وجوه أدباء عصره، وكان يحضر المجالس فيشيع فيها جواً من المرح والحبور بأشعاره وحكاياته وأزجاله، وقد وجد أن الموشحة المكتوبة بالفصحى لا تصل إلى الناس جميعاً بشتى فئاتهم وطبقاتهم. ووجد بعض الزجالين يغالي بعضهم في استعمال الالفاظ المحلية ، ويكتبون بها أزجالاً تنبو أحياناً عن الذوق العام، ولا يستسيغها السمع، ولا يقبلها الأدب.
ظل ابن قزمان زعيم صناعة الزجل وإمام الزجالين بالأندلس مطلقاً، وقد ولعُ الأندلسيون والمغاربة بالزجل فنظموا على طريقته، وخرجوا عن الاوزان المعروفة وقد نهى عن تقصد الإعراب وتتبعه والاستكثار منه لئلا يغلب على معظم أزجالهم.
وكان شعره فيه تكلُّفٍ في اللفظ أما سائر غزله فرقيق عذب، يصلح للغناء لحلاوة لفظه وطلاوته يقول :
يا رُبَّ يومٍ زارني فيه مَن
أطلــعَ من غرَّته ِ كوكبا
ذو شــفةٍ لمياءَ معسولةٍ
ينشعُّ من خدَّيه ماءُ الصبَا
تردد ابن قزمان إلى(غرناطة) مرات عديدة وامتدح جماعة من أهلها ب (قرطبة )، الا انه في اخر ايامه جرت عليه محنة كبيرة، بسبب شـراسة خُلُقٍه وكانت وفاته بقرطبة والأمير أبو عبد الله محمد بن سعد بن مردنيش إذ ذاك يحاصرها.
يا أهلَ ذا المجلس السَّامي سرادقُهُ
ما مِلتُ لكنَّني مالتْ بيَ الرَّاحُ
فإنْ أكنْ مُطفئاً مصبــاحَ بيتِكُمُ
فكلّ مَن فيكمُ في البيت مصباحُ
يا رُبَّ يومٍ زارني فيه مَن
أطلــعَ من غرَّتهِ كوكبا
ذو شــفةٍ لمياءَ معسولةٍ
ينشعُّ من خدَّيه ماءُ الصبَا
توفي ابن قزمان الاندلسي في قرطبة سنة \562 هدرية – 1160ميلادية
ومن مميزات شعر ابن قزمان أن زجله يعبر عن تمازج الحضارة الإسلامية بالحضارة الأيبيرية، كما تحضر اللغة الرومانسية بشكل ملحوظ في مفرداته وعباراته الشعرية، وهذا دليل على حضور اللاتينية في شعر ابن قزمان. كما يظهر في زجله الشعري تشابه الشعر الأندلسي والشعر الأوربي على مستوى البناء والتقفية والوزن فأثر الموشحة والزجل في الأدب الأسباني في شعره وزجله ، وبالتالي في الآداب الأوربية الأخرى ايضا .
يـا أمــــي، تعالي أنجدينـــي
فأنا حزين حيناً، متألــم حينــــاً
في كــل اليــــوم وطولـــه
لم أذق فيــــه غيـــر لقيمـة
أما أثر الموشحة والزجل في الأدب الأسباني، وبالتالي في الآداب الأوربية الأخرى، فهو أمر يحتاج إلى بحث مستقل.
عاش ابن قزمان في القرنين الخامس والسادس الهجريين في أسرة كان لها حضور ثقافي وأدبي وسياسي في البيئة الأندلسية. وكان مبدعا، عاش حياته في اللذة والمتعة واقتناص لذات الحياة حتى في شهر رمضان المبارك. وهو يشبه أبا نواس في وصف الخمرة وذكر اللذات والشهوات الدنيوية.
يقول ابن قزمان في نظرته للحياة :
(ها هي الدنيا كما تعرفها، لا يدوم صفاؤها، فاجتهد واغتنم حياتك فى النعيم، إياك أن تخلى مجالس المتعة ليلاً أو نهاراً، خذ حقك من هذا العمر قبل أن يأتى الموت فجأة، إنها مصيبة حقا – أليس كذلك – أن تموت والحياة من حولك صاخبة ..)
واختم بحثي في هذه المقطوعة من زجله :
دخلت ثقلة السوق فالا بد عن أمار
والبرور يوم الاثنين فاعطني البشار
ثقلة العيد في حملان الكباش القرايب
والقدور والصحيفات والقلل والمحالب
وجلوس كل عطار بالعطر ف المناصب
وفي شان تشويط الروس حفر في كل حار
***********
كبش باسم الضحية يشتريه كل مرماد
فه ظاهر لله والقصد فرح الأولاد
وش يقاسي الانسان من حرارة ف الأعياد
بالخروج للمصلى تنطفي ذى الحرار
كل وجه مزين يوم العيد هـ برا
والبكا بالمقابر على الاحباب ذ مرٌا
احتفال الفجايع ف احتفال المسرٌ
ودموع الترح في ثياب الشطار
******************
نختصر في كلامي ولا يعجبني طول
آش نسل عن فروع إذا انفنت أصول
الذي جيت ف شان ينبغي أن نقول
جملة القصة:نسعى,قد فهمت الإشار
اعطني كبش للعيد ما نزردق ونبلع
ونذبح ونفصل ونقدد ونرفع
ونصفف وناكل من شوى حتى نشبع
ثم نلبس ثيابي ونجيك للزيار
ويقول ايضا في زجله :
وعريش قلبي قد قام على دكان
بحال رواق
وأسد قد ابتلع ثعبان
في غلظ ساق
وفتح فمه بحال إنسان
فيه الفواق
وانطلق يجري على الصفاح
ولقى الصباح
امير البيــــان العربي
******************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق