حين أوقف السائق محرك السيارة لف المكان سكون لا يقطعه سوى أصوات قادمة من
بعيد لآلات وروافع يميز أصحاب المكان نوعها دون أن يروها ، والسماء الصافية
لا يشوبها سوى الدخان المزنى المتصاعد من السفينة ( لارى لي ) المتراكية
على الرصيف في الجهة الشرقية من المكان ، نزلت من السيارة والألم يعتصرني
على لا شيء !! ها أنا أعود بعد عشرون يوما قضيتها متنقلا بين القاهرة وبور
سعيد في مأمورية عمل ، استقبلني " مصطفى " عند البوابة الخارجية للمؤسسة
بوجهه الضاحك دائما يهنئني بسلامة وصولي ، وكيف أن الجميع كانوا ينتظرون
عودتي ، في الطريق إلى مكان إقامتي كان مصطفى يتابع حديثه الذي بدأه منذ أن
تقابلنا عبد باب السيارة ، حديثا مشتتا عن العمل مرة وعن الكرافان حيث
إقامتنا مرات أخرى ، حديث يدل على صفاء نفسه وخلوها من هموم ومشاكل الحياة ،
فجأة كمن يتذكر شيئا مهما يمسك بذراعي ليوقفني عن السير :
* نسيت شيئا ؟!
* اذهب واحضره !!
* شيئا يقال ؟!!
* إذا قله !!
ونحن نكمل سيرنا تجاه التل الصغير حيث ظهرت معالم الكرافان واضحة :
* محاسبة جديدة .. تم تعيينها أثناء غيبتك ؟!
* إذا ستطول ساعات نومك !
* تقول إنها من بلدتك القديمة وتزعم معرفتها بك ؟؟!!
رائحة الكرافان من الداخل تدل على اهتمام مصطفى بنظافته أثناء غيبتي ، أضع حاجياتي في الدولاب الحديدي الرمادي اللون ، ونبدأ مرة أخرى في هبوط التل تجاه مكتب مصطفى ، دخلت مكتبه ، وقعت عيناي عليها ، ما اصغر الدنيا !!، زميلة الزمان والمكان في المدرسة، لم تتغير رغم كل هذه السنوات، ما زالت ملامحها الملائكية كما هي ! ، بريق عينيها لم يخبت !، هذا البريق الذي كان يحملني بعيدا إلى حيث تعانق الأرض السماء عند الخط الوهمي، حيث لا شيء سوى طهارة السحاب.
أتذكر الآن كل شيء ، جمعتنا بلدة ومدرسة واحدة ، وبسبب حرب لم تستمر سوى خمسة أيام ذهبت مع أسرتي إلى القاهرة أما هي فقد ذهبت مع أسرتها لمدينة أخرى ، لم انسها طوال هذه السنوات وان كنت قد يئست من رؤيتها ثانية ، بعد حرب التحرير عادت هي إلى المدينة القديمة ، وقررت أنا البقاء بالقاهرة حيث التحقت بعمل في مكتب خاص ، لأتركه بعد ذلك للأبد لما لاقيته في قاهرتي من متاعب لاعتناقي مبدأ ( الخبز والهواء للجميع ) ، وما عانيته – بسبب ذلك – من الأسئلة وأجوبتها في الغرف الجامدة وأمام الوجوه الرخامية الملامح !، فاستقلت من عملي لالتحق بهذه المؤسسة الرابضة في عمق الصحراء بالقرب من مدينة ساحلية .
أعادني صوتها المرحب بقدومي والممتلئ دهشة لرؤيتي إلى محيط المكتب :
* لكم تمنيت رؤيتك من زمن بعيد !!
تحاشيت بريق عينيها وأنا أمد يدي للسلام عليها، أشعلت سيجارتي وكأنني أحاول الهروب من شيء ما، خليط دهشتها وفرحتها يصنع الكلمات:
* القاهرة غيرتك كثيرا ؟!
نظرت إليها، بريق عينيها ينتــزع منى كلمات كنت أحاول أن أواريها عن سمع مصطفى:
* شوقي إليك لم يهدأ يوما ! لا القاهرة ولا فتياتها انسوني بريق عينيك !!!
يقطع مصطفى حديثنا :
* الهندية تسأل عنك !؟
هكذا مصطفى يأتي ويتحدث في الوقت الغير مناسب دائما ، اترك كل شيء واتجه صوب الشرق ، إلى السفينة والهندية ، المحها تلوح بيدها من على ظهر السفينة ، اصعد إليها وألقاها في نهاية السلم المؤدى إلى الممشى الطويل وحجرتها ، لم تكن ترتدي شيء تقريبا !، أعانق يدها واقبلها في برود .
الكلمات مازالت تتردد داخلي :
** القاهرة غيرتك كثيرا ؟؟!!
أتذكر تلك القاهرية في كازينو ميامى بحركاتها المنفرة ، وعيناها اللتان أكلهما الخمر والسهر ، وكيف تركت أمامها بضعة جنيهات رافضا رفقتها لي .
** القاهرة... القاهرة غيرتك كثيرا !!
إنها لا تعلم إن القاهرة بكل جبروتها لم تستطع ابتلاعي، وبكل عهرها لم تنسني إياها أبدا، ورغم ضجيجها لم تقتل حنيني إليها !!.
في نهاية يوم حافل بالعمل اذهب بها بعيدا عن الأعين، افترش معها الرمال على الشاطئ، تحتضنني بمحيط عينيها، وجهي أمام وجهها:
*مصطفى يقول إنك شيوعي !!؟؟؟
* أمي تقول أنني مجنون !!
* أما زلت تحبني ؟؟؟!
* ما زلت أعشق بقايا الأصداف في كفيك ! وسنا الشمس في عينيك !!
* اثبت لي هذا ؟
* احتضن وجهها بكـفي ، اقبلها بعنف ، تستسلم لى ، تتخلص من قبضتي :
* أمك صادقة !!
اسألها :
* أتتزوجينني ؟؟
ترد على بسؤال :
* لماذا أنا ؟؟؟
* لأن موانع الضياع تكمن بين رموشك ، وعند أطراف هدبيك يسكن الأمان الأبدي !!
تسألني :
*هل كنت تتمنى رؤيتي حقا ؟؟
*كنت احتضن الهواء لعلى أحس بدفء أنفاسك، كنت طوال السنيين استند على خيال ملامحك حتى لا اسقط !!
تنهض من أمامي لتجلس بجانبي ، تلتصق بى ، أطوق كتفها بذراعي وبصري تجاه البحر :
* لطالما تخيلتك تخرجين من البحر مع قرص الشمس !!
تلتصق بى أكثر كأنما تريد النفاذ لداخلي ، امسح عن وجهها رذاذ الموج المرتطم بالصخور ، خضرة عينيها وزرقة الماء تكمل أمامي اللوحة الملائكية ، أمعن النظر إلى عينيها كأنني أفتش عن عمري الضائع ، كمن يحاول أن يستقرا الغيب .
تمـــت ،،،،،،
* نسيت شيئا ؟!
* اذهب واحضره !!
* شيئا يقال ؟!!
* إذا قله !!
ونحن نكمل سيرنا تجاه التل الصغير حيث ظهرت معالم الكرافان واضحة :
* محاسبة جديدة .. تم تعيينها أثناء غيبتك ؟!
* إذا ستطول ساعات نومك !
* تقول إنها من بلدتك القديمة وتزعم معرفتها بك ؟؟!!
رائحة الكرافان من الداخل تدل على اهتمام مصطفى بنظافته أثناء غيبتي ، أضع حاجياتي في الدولاب الحديدي الرمادي اللون ، ونبدأ مرة أخرى في هبوط التل تجاه مكتب مصطفى ، دخلت مكتبه ، وقعت عيناي عليها ، ما اصغر الدنيا !!، زميلة الزمان والمكان في المدرسة، لم تتغير رغم كل هذه السنوات، ما زالت ملامحها الملائكية كما هي ! ، بريق عينيها لم يخبت !، هذا البريق الذي كان يحملني بعيدا إلى حيث تعانق الأرض السماء عند الخط الوهمي، حيث لا شيء سوى طهارة السحاب.
أتذكر الآن كل شيء ، جمعتنا بلدة ومدرسة واحدة ، وبسبب حرب لم تستمر سوى خمسة أيام ذهبت مع أسرتي إلى القاهرة أما هي فقد ذهبت مع أسرتها لمدينة أخرى ، لم انسها طوال هذه السنوات وان كنت قد يئست من رؤيتها ثانية ، بعد حرب التحرير عادت هي إلى المدينة القديمة ، وقررت أنا البقاء بالقاهرة حيث التحقت بعمل في مكتب خاص ، لأتركه بعد ذلك للأبد لما لاقيته في قاهرتي من متاعب لاعتناقي مبدأ ( الخبز والهواء للجميع ) ، وما عانيته – بسبب ذلك – من الأسئلة وأجوبتها في الغرف الجامدة وأمام الوجوه الرخامية الملامح !، فاستقلت من عملي لالتحق بهذه المؤسسة الرابضة في عمق الصحراء بالقرب من مدينة ساحلية .
أعادني صوتها المرحب بقدومي والممتلئ دهشة لرؤيتي إلى محيط المكتب :
* لكم تمنيت رؤيتك من زمن بعيد !!
تحاشيت بريق عينيها وأنا أمد يدي للسلام عليها، أشعلت سيجارتي وكأنني أحاول الهروب من شيء ما، خليط دهشتها وفرحتها يصنع الكلمات:
* القاهرة غيرتك كثيرا ؟!
نظرت إليها، بريق عينيها ينتــزع منى كلمات كنت أحاول أن أواريها عن سمع مصطفى:
* شوقي إليك لم يهدأ يوما ! لا القاهرة ولا فتياتها انسوني بريق عينيك !!!
يقطع مصطفى حديثنا :
* الهندية تسأل عنك !؟
هكذا مصطفى يأتي ويتحدث في الوقت الغير مناسب دائما ، اترك كل شيء واتجه صوب الشرق ، إلى السفينة والهندية ، المحها تلوح بيدها من على ظهر السفينة ، اصعد إليها وألقاها في نهاية السلم المؤدى إلى الممشى الطويل وحجرتها ، لم تكن ترتدي شيء تقريبا !، أعانق يدها واقبلها في برود .
الكلمات مازالت تتردد داخلي :
** القاهرة غيرتك كثيرا ؟؟!!
أتذكر تلك القاهرية في كازينو ميامى بحركاتها المنفرة ، وعيناها اللتان أكلهما الخمر والسهر ، وكيف تركت أمامها بضعة جنيهات رافضا رفقتها لي .
** القاهرة... القاهرة غيرتك كثيرا !!
إنها لا تعلم إن القاهرة بكل جبروتها لم تستطع ابتلاعي، وبكل عهرها لم تنسني إياها أبدا، ورغم ضجيجها لم تقتل حنيني إليها !!.
في نهاية يوم حافل بالعمل اذهب بها بعيدا عن الأعين، افترش معها الرمال على الشاطئ، تحتضنني بمحيط عينيها، وجهي أمام وجهها:
*مصطفى يقول إنك شيوعي !!؟؟؟
* أمي تقول أنني مجنون !!
* أما زلت تحبني ؟؟؟!
* ما زلت أعشق بقايا الأصداف في كفيك ! وسنا الشمس في عينيك !!
* اثبت لي هذا ؟
* احتضن وجهها بكـفي ، اقبلها بعنف ، تستسلم لى ، تتخلص من قبضتي :
* أمك صادقة !!
اسألها :
* أتتزوجينني ؟؟
ترد على بسؤال :
* لماذا أنا ؟؟؟
* لأن موانع الضياع تكمن بين رموشك ، وعند أطراف هدبيك يسكن الأمان الأبدي !!
تسألني :
*هل كنت تتمنى رؤيتي حقا ؟؟
*كنت احتضن الهواء لعلى أحس بدفء أنفاسك، كنت طوال السنيين استند على خيال ملامحك حتى لا اسقط !!
تنهض من أمامي لتجلس بجانبي ، تلتصق بى ، أطوق كتفها بذراعي وبصري تجاه البحر :
* لطالما تخيلتك تخرجين من البحر مع قرص الشمس !!
تلتصق بى أكثر كأنما تريد النفاذ لداخلي ، امسح عن وجهها رذاذ الموج المرتطم بالصخور ، خضرة عينيها وزرقة الماء تكمل أمامي اللوحة الملائكية ، أمعن النظر إلى عينيها كأنني أفتش عن عمري الضائع ، كمن يحاول أن يستقرا الغيب .
تمـــت ،،،،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق