كحبة القمح في السنبلة الحب بين العاشقين
يجلس العاشق في سهرة عائلية وحبيبته في الزاوية الأخرى ، ثمة احتفال بعروسين بعد عودتهما من شهر العسل ، عناء وصراخ في آن معاً ، الجميع يغمرهم الفرح ، لكن العاشق يظل صامتاً ، والمحبوبة هناك ترمقه بطرفها بين الحين والآخر ، في قلب كل منهما حديث هامس يسمعه الآخر بوضوح .
حتى إذا اندفعت فتاة نحو العروس ودعتها للرقص ، تمنعت بدلال مصطنع ثم وقفت وراحت تتمايل على إيقاع موسيقا أغنية شعبية ، واندفعت فتيات أخريات شاركن العروس الرقص إلا الحبيبة التي كانت تبتسم ولايعرف العاشق ماذا يعتمل في فكرها ، بينما هي تعرف أنه يموت بها عشقاً ، أنه لا يفكر الآن إلا بها مثلما هو دائماً لا يفكر إلا بها حيثما يكون وحيثما تكون .
ولما هدأت عاصفة الرقص استغرب العاشق عندما انتبه أن كل العيون توجهت نحو حبيبته ، فنظرت إليه وأشارت : هل أفعل ؟ وهو لا يعرف ماذا ستفعل ، لكنه يعرف دائماً أنها تفعل الصواب ..
هز رأسه بالإيجاب ، ذهبت إلى آلة التسجيل ووضعت فيها اسطوانة ( سي دي ) للمطربة ماجدة الرومي التي تغني فيها مطلعها
يسمعني حين يراقصني كلمات ليست كـ الكلمات
وما أن شرعت الأغنية موسيقاها ، إذ أصبحت الحبيبة وسط الصالة ترقص وحدها رقصاً تعبيرياً كأن حركة فيه كلمة من الأغنية انشدهت العيون نحوها ..
حتى الفتيات اللواتي رقصن قبلها دهشن لهذا الرقص المعبر ، فلم يزاحمنها ، وظللن في أمكنتهن يصفقن لهذه الحسناء كما لو أنها من كوكب آخر ، لا أحد يشبهها ولا تشبه أحد .. إنما تشبه نفسها بطلتها السمراء بعينيها المذهلتين وبجسدها المشدود إلى الكبرياء لم تنظر الحبيبة إلا في وجه حبيبها ، غمرته سعادة لا توصف فهي الآن لا ترقص إلا له ...
وتدمدم بالأغنية على شفتيها { يسمعني حين يراقصني كلمات ليست كـ الكلمات } كأنها حفظت الأغنية عن ظهر قلب ، تميل نحوه
بجسدها الطري ، وتشير بسبابتها إليه كلما قالت المغنية ( يسمعني ) فلا يستطيع إلا ان يرسم على شفتيه هو الآخر كلمة أحبك
خيل للعاشق في لحظة ما أن ماجدة أفرغت من ناسها وأن الذين كانوا يصفقون قد اختفوا تماما .. فلم يعد في المكان إلا هو والأغنية ترى ماذا يفعل العشق بالمحبين ؟
إنه يمجدهما بعضهما إلى بعض ، ويجمعهما جسدين في روح واحدة ، يتدخلان كما تتداخل الوردة بغصنها ، وكما حبة القمح في السنبلة ، إنها حالة من الاندماج لا يعرفها إلا الذين عشقوا حتى الموت وأحبوا حتى النهاية .
الحب الحقيقي حالة نادرة ربما تحصل كل مئة سنة مرة واحدة وربما كل خمسمائة سنة مرة واحدة ، مرة تجعل من الوجود شيئاً مختلفاً عما عرفه الناس في حياتهم العادية ..
في مثل هذه المرة تنهض من الأرض حكاية لا أجمل ولا أحلى ، بل إن عطر الورد يفيض ، ومياه الينابيع تصبح أنقى ، ويتطهر الهواء من فساده ويعطي التراب أطيب الثمر .
علماء الطبيعة يقولون إن الأرض تغير جلدها كل مئة عام ، يفذلكون أقوالهم ويعلنون آراءهم ولكن ليس إلا العشاق يعرفون الحقيقة ..
تتغير قشرة الأرض كل مئة عام ، لأن عشقاً نادراً جميلاً ، عاصفاً ، نقياً ، موحيا ولد في الأرض ، عشقاً بين عاشقين يحدث التحولات ، وبهما يكثر المطر في الشتاء ، ويزهر الربيع أضعاف ما أزهر في الماضي بهما معا يصبح الطعام غير الطعام والماء غير الماء ، كل شيء يتبدل من النقصان إلى الزيادة ، من الجفاف إلى الارتواء ..
من القليل إلى الكثير .
عندما يقولون الناس هذه السنة سنة خير ، لا يعرفون أن حبا عظيماً ولد في هذه السنة ، وإن الحب العظيم بإرادة الحب الله يمنح الخير للبشر ، ويمنح الأرض الماء ، ويمنح الفقراء كساء يومهم ، إنه المعجزة فلطالما تكررت عبر التاريخ بالقلة القليلة ، فبين ملايين البشر في الصحراء لا نتذكر إلا جميل وبثينه ، وكثير عزة وقيس وليلى ..
من قصص العشق النادرة ..
ليس هذا عندنا ، بل عند الأمم وعند كل أمة من هذه الأمم قصة حب عظيمة تشبه قصص حبنا التي لا نراها إلا كل مئة عام مرة .
مازالت المغنية تردد الأن يسمعني حين يراقصني كلماتٍ لست كـ الكلمات
ومازلت الحبيبة تتمايل معى الأغنية تمايل السنابل مع الهواء العليل ، مازالت تحرك يديها حركات أين منها تمايل الشجر في الغابات البعيدة ، جسد كأنه من وله يرقص ، وبإيقاع بسيط وصعب في آن معاً .
وما أن تقترب الأغنية من نهايتها تقترب العاشقة من حبيبها كأنها ستلتصق به ، وتنحني نحوه وهو مشدوه بها ، ثم تطبع قبلة على رؤوس اصابعها وترسلها له مع رائحتها الجميلة التي عبقت في المكان ، ورائحة ملابسها النقية ، وعطرها الممزوج بعرقها ، ورائحة جسدها الغربية الموحية كما لو أنها رائحة من الجنة
ويتلقى العاشق القبلة الهوائية كما لو انه تلقى حقيقياً يغلق قبضته عليه لئلا يفلت منه ، لكن المعنى هو الذي يتألق ، ورائحة الجسد الراقص ، العجيني ، المطاطي هي التي تملأ المكان والزمان .
يالهذا العشق
نتلفت إلى الماضي فنجد أن الحب أقوى من الملوك والحكام والرؤساء ، الملك جورج الخامس وفي لندن تخلى عن التاج من أجل امرأة أحبها ، الرئيس الامريكي قصة حبه لمارلين مونرو ملأت مجلدات ، كبار رفعهم الحب وآخرون أذلهم الحب ، إنه النار المشتعلة تحرق وتدفئ في الوقت نفسه .
قال حكيم من خراسان :
إن العشق يطلق اللسان العيي ، ويفتح حلية البليد والمختل ، ويبعث في التنظيف وتحسين اللباس وتطييب المطعم ، ويدعو إلى الحركة والذكاء وتشرف الهمة .
يقول الوشاء في الموشي :
ليس يخلو شاعر او أديب من هوى ، ولا يعرى من ضنى لأن الهوى هو أول باب تفتق به الأذهان ويتفسخ به الجنان وله سورة في القلب يحيا بها اللب ، وقد يشجع الجبان ، ويسخي البخيل ويطلق لسان العيي ، ويقوي حزم العاجز ليأنس به الجليس ، ويتمتع به الأنيس وهو أمر مطاع ، وقائد متبع ، ليس بشاعر او أديب { خرج من حد الهوى } واستشهد الوشاء ببيتي الأحوص :
إذا أنت لم تعشق ولم تدر مالهوى
فكن حجرا من يابس الصخر جلدا هل العيش إلا ماتلذ وتشتهي
وإن لام فيه ذو الشأن وفنذا
والحب من شيم الكرام والنبلاء والفرسان ، كما قال الشاعر محمود الوراق
ألم تعلم فداك أبي وأمي
بأن الحب من شيم الكرام
وعلامات الهوى كما جاءت عن الوشاء :
نحول الجسم وطول السقم ، واصفرار اللون ، وقلة النوم ، وخشوع النظر وإدمان الفكر وسرعة الدموع ، وإظهار الخشوع ، وكثرة الأنين ، وإعلان الحنين وانسكاب العبرات وتتابع الزفرات .
روي فيما روي من التراث في هذا المجال ، محاوره بين القلب والعين ثم الكبد ، وكل يدلي بحججه وأفكاره .
قال القلب للعين :
أنت التي سقتني إلى موارد الهلكات ، وأوقعتني في الحسرات ، وبمتابعتك اللحظات ، ونزهت طرفك في تلك الرياض ، وطلبت الشقاء من الحدق المراض ، ومصداق قولي هذان البيتان :
نظر العيون هو الذي
جعل الهلاك إلى الفؤاد سبيلاً
مازالت اللحظات تغزو قلبه
حتى تشحط بينهن قتيلا
قالت العين للقلب :
ظلمتني أولاً وآخرا ، وبؤت بإثمي باطنا وطاهراً ، وما أنا إلا رسولك الداعي إليك ..
ورائدك الدال عليك فأنت الملك المطاع ، ونحن الجنود والاتباع ، أركبتني في حاجتك خيل البريد ، ثم أقبلت علي بالتنهيد والوعيد ، لقد أرسلتني لصيد قد نصبت لك حباله وأشراكه واستدارت حولك فخاخه وشباكه ، فغدوت أسيرا بعد أن كنت أميراً وأصبحت مملوكاً بعدما كنت مليكا.
فلما سمعت الكبد تحاور العين والقلب قالت :
أنتما على هلاكي تساعدتما ، وعلى تعاونتما ، أنا أتولى الحكم بينكما ، أنتما في البلية شريكا عنان ، كما أنكما في اللذة والمسرة فرسا رهان ، فالعين تليذ والقلب يتمنى ويشتهي فإن لم تدرككما عناية مقلب والأبصار وإلا من قرة ولا للقلب من قرار .
واختم بهذين البيتين :
لا تخف مافعلت بك الأشواق
واشرح هواك فكلنا عشاق
واصبر على هجر الحبيب فربما
عاد الوصال وللهوى أخلاق .
د. فراس الفهداوي
يجلس العاشق في سهرة عائلية وحبيبته في الزاوية الأخرى ، ثمة احتفال بعروسين بعد عودتهما من شهر العسل ، عناء وصراخ في آن معاً ، الجميع يغمرهم الفرح ، لكن العاشق يظل صامتاً ، والمحبوبة هناك ترمقه بطرفها بين الحين والآخر ، في قلب كل منهما حديث هامس يسمعه الآخر بوضوح .
حتى إذا اندفعت فتاة نحو العروس ودعتها للرقص ، تمنعت بدلال مصطنع ثم وقفت وراحت تتمايل على إيقاع موسيقا أغنية شعبية ، واندفعت فتيات أخريات شاركن العروس الرقص إلا الحبيبة التي كانت تبتسم ولايعرف العاشق ماذا يعتمل في فكرها ، بينما هي تعرف أنه يموت بها عشقاً ، أنه لا يفكر الآن إلا بها مثلما هو دائماً لا يفكر إلا بها حيثما يكون وحيثما تكون .
ولما هدأت عاصفة الرقص استغرب العاشق عندما انتبه أن كل العيون توجهت نحو حبيبته ، فنظرت إليه وأشارت : هل أفعل ؟ وهو لا يعرف ماذا ستفعل ، لكنه يعرف دائماً أنها تفعل الصواب ..
هز رأسه بالإيجاب ، ذهبت إلى آلة التسجيل ووضعت فيها اسطوانة ( سي دي ) للمطربة ماجدة الرومي التي تغني فيها مطلعها
يسمعني حين يراقصني كلمات ليست كـ الكلمات
وما أن شرعت الأغنية موسيقاها ، إذ أصبحت الحبيبة وسط الصالة ترقص وحدها رقصاً تعبيرياً كأن حركة فيه كلمة من الأغنية انشدهت العيون نحوها ..
حتى الفتيات اللواتي رقصن قبلها دهشن لهذا الرقص المعبر ، فلم يزاحمنها ، وظللن في أمكنتهن يصفقن لهذه الحسناء كما لو أنها من كوكب آخر ، لا أحد يشبهها ولا تشبه أحد .. إنما تشبه نفسها بطلتها السمراء بعينيها المذهلتين وبجسدها المشدود إلى الكبرياء لم تنظر الحبيبة إلا في وجه حبيبها ، غمرته سعادة لا توصف فهي الآن لا ترقص إلا له ...
وتدمدم بالأغنية على شفتيها { يسمعني حين يراقصني كلمات ليست كـ الكلمات } كأنها حفظت الأغنية عن ظهر قلب ، تميل نحوه
بجسدها الطري ، وتشير بسبابتها إليه كلما قالت المغنية ( يسمعني ) فلا يستطيع إلا ان يرسم على شفتيه هو الآخر كلمة أحبك
خيل للعاشق في لحظة ما أن ماجدة أفرغت من ناسها وأن الذين كانوا يصفقون قد اختفوا تماما .. فلم يعد في المكان إلا هو والأغنية ترى ماذا يفعل العشق بالمحبين ؟
إنه يمجدهما بعضهما إلى بعض ، ويجمعهما جسدين في روح واحدة ، يتدخلان كما تتداخل الوردة بغصنها ، وكما حبة القمح في السنبلة ، إنها حالة من الاندماج لا يعرفها إلا الذين عشقوا حتى الموت وأحبوا حتى النهاية .
الحب الحقيقي حالة نادرة ربما تحصل كل مئة سنة مرة واحدة وربما كل خمسمائة سنة مرة واحدة ، مرة تجعل من الوجود شيئاً مختلفاً عما عرفه الناس في حياتهم العادية ..
في مثل هذه المرة تنهض من الأرض حكاية لا أجمل ولا أحلى ، بل إن عطر الورد يفيض ، ومياه الينابيع تصبح أنقى ، ويتطهر الهواء من فساده ويعطي التراب أطيب الثمر .
علماء الطبيعة يقولون إن الأرض تغير جلدها كل مئة عام ، يفذلكون أقوالهم ويعلنون آراءهم ولكن ليس إلا العشاق يعرفون الحقيقة ..
تتغير قشرة الأرض كل مئة عام ، لأن عشقاً نادراً جميلاً ، عاصفاً ، نقياً ، موحيا ولد في الأرض ، عشقاً بين عاشقين يحدث التحولات ، وبهما يكثر المطر في الشتاء ، ويزهر الربيع أضعاف ما أزهر في الماضي بهما معا يصبح الطعام غير الطعام والماء غير الماء ، كل شيء يتبدل من النقصان إلى الزيادة ، من الجفاف إلى الارتواء ..
من القليل إلى الكثير .
عندما يقولون الناس هذه السنة سنة خير ، لا يعرفون أن حبا عظيماً ولد في هذه السنة ، وإن الحب العظيم بإرادة الحب الله يمنح الخير للبشر ، ويمنح الأرض الماء ، ويمنح الفقراء كساء يومهم ، إنه المعجزة فلطالما تكررت عبر التاريخ بالقلة القليلة ، فبين ملايين البشر في الصحراء لا نتذكر إلا جميل وبثينه ، وكثير عزة وقيس وليلى ..
من قصص العشق النادرة ..
ليس هذا عندنا ، بل عند الأمم وعند كل أمة من هذه الأمم قصة حب عظيمة تشبه قصص حبنا التي لا نراها إلا كل مئة عام مرة .
مازالت المغنية تردد الأن يسمعني حين يراقصني كلماتٍ لست كـ الكلمات
ومازلت الحبيبة تتمايل معى الأغنية تمايل السنابل مع الهواء العليل ، مازالت تحرك يديها حركات أين منها تمايل الشجر في الغابات البعيدة ، جسد كأنه من وله يرقص ، وبإيقاع بسيط وصعب في آن معاً .
وما أن تقترب الأغنية من نهايتها تقترب العاشقة من حبيبها كأنها ستلتصق به ، وتنحني نحوه وهو مشدوه بها ، ثم تطبع قبلة على رؤوس اصابعها وترسلها له مع رائحتها الجميلة التي عبقت في المكان ، ورائحة ملابسها النقية ، وعطرها الممزوج بعرقها ، ورائحة جسدها الغربية الموحية كما لو أنها رائحة من الجنة
ويتلقى العاشق القبلة الهوائية كما لو انه تلقى حقيقياً يغلق قبضته عليه لئلا يفلت منه ، لكن المعنى هو الذي يتألق ، ورائحة الجسد الراقص ، العجيني ، المطاطي هي التي تملأ المكان والزمان .
يالهذا العشق
نتلفت إلى الماضي فنجد أن الحب أقوى من الملوك والحكام والرؤساء ، الملك جورج الخامس وفي لندن تخلى عن التاج من أجل امرأة أحبها ، الرئيس الامريكي قصة حبه لمارلين مونرو ملأت مجلدات ، كبار رفعهم الحب وآخرون أذلهم الحب ، إنه النار المشتعلة تحرق وتدفئ في الوقت نفسه .
قال حكيم من خراسان :
إن العشق يطلق اللسان العيي ، ويفتح حلية البليد والمختل ، ويبعث في التنظيف وتحسين اللباس وتطييب المطعم ، ويدعو إلى الحركة والذكاء وتشرف الهمة .
يقول الوشاء في الموشي :
ليس يخلو شاعر او أديب من هوى ، ولا يعرى من ضنى لأن الهوى هو أول باب تفتق به الأذهان ويتفسخ به الجنان وله سورة في القلب يحيا بها اللب ، وقد يشجع الجبان ، ويسخي البخيل ويطلق لسان العيي ، ويقوي حزم العاجز ليأنس به الجليس ، ويتمتع به الأنيس وهو أمر مطاع ، وقائد متبع ، ليس بشاعر او أديب { خرج من حد الهوى } واستشهد الوشاء ببيتي الأحوص :
إذا أنت لم تعشق ولم تدر مالهوى
فكن حجرا من يابس الصخر جلدا هل العيش إلا ماتلذ وتشتهي
وإن لام فيه ذو الشأن وفنذا
والحب من شيم الكرام والنبلاء والفرسان ، كما قال الشاعر محمود الوراق
ألم تعلم فداك أبي وأمي
بأن الحب من شيم الكرام
وعلامات الهوى كما جاءت عن الوشاء :
نحول الجسم وطول السقم ، واصفرار اللون ، وقلة النوم ، وخشوع النظر وإدمان الفكر وسرعة الدموع ، وإظهار الخشوع ، وكثرة الأنين ، وإعلان الحنين وانسكاب العبرات وتتابع الزفرات .
روي فيما روي من التراث في هذا المجال ، محاوره بين القلب والعين ثم الكبد ، وكل يدلي بحججه وأفكاره .
قال القلب للعين :
أنت التي سقتني إلى موارد الهلكات ، وأوقعتني في الحسرات ، وبمتابعتك اللحظات ، ونزهت طرفك في تلك الرياض ، وطلبت الشقاء من الحدق المراض ، ومصداق قولي هذان البيتان :
نظر العيون هو الذي
جعل الهلاك إلى الفؤاد سبيلاً
مازالت اللحظات تغزو قلبه
حتى تشحط بينهن قتيلا
قالت العين للقلب :
ظلمتني أولاً وآخرا ، وبؤت بإثمي باطنا وطاهراً ، وما أنا إلا رسولك الداعي إليك ..
ورائدك الدال عليك فأنت الملك المطاع ، ونحن الجنود والاتباع ، أركبتني في حاجتك خيل البريد ، ثم أقبلت علي بالتنهيد والوعيد ، لقد أرسلتني لصيد قد نصبت لك حباله وأشراكه واستدارت حولك فخاخه وشباكه ، فغدوت أسيرا بعد أن كنت أميراً وأصبحت مملوكاً بعدما كنت مليكا.
فلما سمعت الكبد تحاور العين والقلب قالت :
أنتما على هلاكي تساعدتما ، وعلى تعاونتما ، أنا أتولى الحكم بينكما ، أنتما في البلية شريكا عنان ، كما أنكما في اللذة والمسرة فرسا رهان ، فالعين تليذ والقلب يتمنى ويشتهي فإن لم تدرككما عناية مقلب والأبصار وإلا من قرة ولا للقلب من قرار .
واختم بهذين البيتين :
لا تخف مافعلت بك الأشواق
واشرح هواك فكلنا عشاق
واصبر على هجر الحبيب فربما
عاد الوصال وللهوى أخلاق .
د. فراس الفهداوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق