8\9\2014
علاء حمد شاعر يكتب باحساس عالي يصل حد الذي يجعله يكتب بالحدس ولأنه عاركته الحياة وواجهته باضطهاده واضطهاد السلطات السياسية في حينها فاضطر الى الهجرة بعيدا عن وطنه حاملا معه حفنة تراب من تراب وطنه يشمها كلما اشتاق الى الوطن فخباء ذكرياته في قلبه ووجه الحياة بقوة مثلما واجهته بقوه وهو الناجي من الموت عدة مرات حاملا على عاتقه همه وهم وطنه وهم قصيدته باحثا عن سكن ومشروع قصيدة محطات كثيرة مرة بحياته في الاغتراب فجعلته يحيى اغتراب داخل اغتراب فحول كل ذلك الى أبداع في كلمات هي كل حياته
والقصيدة عند علاء هي نهر يجري نقيا مفعما بالحياة لا ياس فيها ترى المعاني كالأشجار حول النهر فهذه مسبلة أغصانها في الماء وتلك تاركه أغصانها للريح يظفر جدائلها لكن بين رحلة النهر وبين تلك الأشجار المعاني هناك يختباء خلف كل هذا ما يريده الشاعر من معنى فهو لا يأخذك في رحلة تغريب وتهويمات تجعلك في متاهة ولا يجعلك تنظر من خلف جدار واقفا على أطراف أصبعك لا تكاد أن ترى ولكن يجعلك علاء تطل من شرفة واسعة فترى العالم كما هو يراه فيضعك أمام الحقيقة مباشرة
والقصيدة التي سنتناولها كمتذوقين للشعر هي قصيدة المستتر وهذا العنوان غريب وجديد بنفس الوقت فمن هو المستتر هل هو ضمير كما في اللغة طبعا لا ولا هو الأشباح المارة عبر الظلال ولا الفراشات وهي تطير عبر نور القمر ولا الذئاب التي تجتمع وسط الغابة
والقصيدة متكونة من أربع مقاطع ويبداء المقطع الأول ببوم ينعق مستترا خلف المدخنة البوم خائف مرعوب من المستتر الذي هو يستتر منه و أذا فترضنا وجود مدخنة يعني هذا وجود بيت في أطراف المدينة قريب من الغابة وعلى الأكثر البيت مهجور ربما بسبب الدمار والحرب والوقت ليلا السماء صافية و النجوم تتلألآ والقمر بكامل دورته بدرا يشع نوره على المنازل والأشجار راسم ظلال لها لكن البوم الذي هو رمز الشؤم بسمعه القوي المرهف يسمع خطوات المستتر وهو يتقدم وبنظراته الحادة يراه يختبئ خلف الظلال يحاول أن ينصب فخاخه وكمائنه
والبحر ضجرا بموجاته ينعق لأنه يرى المستتر ويحاول أن ينبه على وجوده والناس منشغلين باستعراض حسنا تهم وفضائلهم بنفاق مستمر بينما يرقات الضجر تلتهم مواعيدهم الشمسية والقمرية والرعب يملاء العيون متظاهرين بالحب و الألفة وقلوبهم شتى لكنهم متوحدين داخل رعبهم وخوفهم من المستتر وكمائنه المزركشة فأي أبداع يعرض لنا الشاعر بكلمات قليلة ما يجول بخاطره
ينعق البوم مستترا بالمداخن .
ينعق البحر ، والناس تلعق ميزاتها ...
ترفع العشق لافتة
تدفن العزف بين العيون ،
مزركشة بالكمائن .
والمقطع الثاني والذي يقرب الصورة أكثر ويعطينا فكرة عن المستتر فالمستتر خلفك قريب منك يدنو بطيء رويدا بقلب قاتل وابتسامة صديق يرمقك بنظره حاقدة قاتلة مدمره وهو يبتسم ويظهر لك كل الفنون ليقترب منك أن تطمأن له ويبتكر في ذالك طرقا يجعلك تصدق بكل ما يقول يبكي ويذرف الدموع القذرة من أجلك لكنه مسخ قاتل يحاول أن يمتص دمك فأي وجه قبيح يحمل
خلفك المستتر
يحمل السيف بين الضلوع ،
يكشّر مبتهجا .... بالفنون ،
وحضرته المبتكر ...
في المقطع الثالث يبين الشاعر بعض أساليب المستتر فالمستتر له جواسيس يلتقطون الكلام كل من يطالب بحقوق الجياع وكل من يعترض على سياسته وهو ليس مختفي لكنه يتوارى خلف المتفيقهون في الدين والسياسة يمثل دور القاضي والجلاد يقتل يدمر باسم الحق الذي يحاول أن يرتديه ويتوارى خلفه , له أكثر من اتجاه و أكثر من لسان فهو الفوضى الخلاقة أحيانا وهو الاتجاه المعاكس يلاحقك أين ما تكون ويبهرك بزخرف القول ويبتكر لك أغاني ثورية ويمنحك أفكار تقاتل من اجلها او حتى دين تقاتل من اجله يسلخك من تاريخك وتراثك ويجعلك مسخا كما يريد يجعلك تكون معه وأنت لا تعرف حقيقته فهو المستتر يجلس هناك متمرس خلف فتنته يرقبك بعينه التي ترى كل شيء ويترك شياطينه تقوم بكل شيء
يلقط الكلمة ..
من فم المتحدّث بالجوع ،
بالاعتراض ،
بفنّ السياسة ،
والنزلة الدمويّة ....
أينما تختفي
خلفك المستتر :
في بياض القميص .
بين شعر الفتى ....
في الحقائب ،
يلعب بين الملابس ....
في البرامج ،
والنشرة الجويّة ....
أينما تتستّر ،
تحت السقوف
وفي نقرة الدفّ
واللغة العربيّة ....
والمقطع الرابع الربع و الأخير يضعك بين اختيارين لا ثالث لهما فأنت لا مفر لك من الفخ يعاملونك كأنك فأر تجارب تثور تهتف تكتب شعارات تسب تشتم لكنك داخل القفص الذي وضعوك فيه فأر تجارب لا حول ولا قوة تلك أنت والباقين قد تكون الكلمة قاسية ومرة لكن هي الحقيقة أين ما تلتفت تجد المواعظ والحكم التي يجلدونك بها ليل نهار والصبر الذي علقوا عليه جلد إنسانيتك المسلوخ لقد فصلوك عن العالم وفرضوا عليك واقع وقالوا لك هذا هو عالمك فا اما تكون هكذا او تختفي داخل نفسك تستتر من المستتر الذي لن يتركك حتى و أنت مستتر فهل ستقاتل من اجل أفكار غيرك او تفضل ان تموت سعيد او تموت من الركلات
لا مفرّ من الفخّ ،
من ضربة الرأي ضدّ الحكومات ....
أنت مقتلع
من حساب الرتابة
مهما تكون ،
ومهما ستحمل من فلك
ومن العثرات ....
اسمك المختفي ..
يتجوّل بين السطور ، ويرقد في الصفحات ....
لا مفرّ من الموت ،
أنت تموت وحيدا
أو تموت سعيدا
أو تموت
من الركلات ...
وأخير وليس أخر رافقنا الشاعر المبدع علاء حمد عبر تدفق أفكاره وبسلاسة أسلوبه برحلة كأننا في مركب يسير في النهر نتأمل جمال الأسلوب ودقة المعاني حتى يصل بنا الى واقع الحال الذي نحن عليه الان وعرفنا لماذا البوم كان ينعق من الرعب الذي أصابه و رأينا كيف الشاعر كان متمكن من أدواته واستخدامه للصوت داخل القصيدة فالبوم الذي ينعق وكذلك البحر بالاضافة الى الموسيقى التي رافقتنا عبر القصيد والتي تمثلت في الترقب والتوجس والخوف وكذلك منحنا فسحة من التخيل والتأمل داخل القصيدة عبر صوره التي اختارها بدقة وعناية حتى انه ترك لنا حرية تكملة بعض الصور رغم ان الشاعر و بامكانية فائقة اختزل لغة الكلام ليقدم لنا بما قل ودل أحلى المعاني
النص
المستتر
( 1 )
ينعق البوم مستترا بالمداخن .
ينعق البحر ، والناس تلعق ميزاتها ...
ترفع العشق لافتة
تدفن العزف بين العيون ،
مزركشة بالكمائن .
( 2 )
خلفك المستتر
يحمل السيف بين الضلوع ،
يكشّر مبتهجا .... بالفنون ،
وحضرته المبتكر ...
( 3 )
يلقط الكلمة ..
من فم المتحدّث بالجوع ،
بالاعتراض ،
بفنّ السياسة ،
والنزلة الدمويّة ....
أينما تختفي
خلفك المستتر :
في بياض القميص .
بين شعر الفتى ....
في الحقائب ،
يلعب بين الملابس ....
في البرامج ،
والنشرة الجويّة ....
أينما تتستّر ،
تحت السقوف
وفي نقرة الدفّ
واللغة العربيّة ....
( 4 )
لا مفرّ من الفخّ ،
من ضربة الرأي ضدّ الحكومات ....
أنت مقتلع
من حساب الرتابة
مهما تكون ،
ومهما ستحمل من فلك
ومن العثرات ....
اسمك المختفي ..
يتجوّل بين السطور ، ويرقد في الصفحات ....
لا مفرّ من الموت ،
أنت تموت وحيدا
أو تموت سعيدا
أو تموت
من الركلات ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق