قراءة في قصيدة " بجماليون ثانية ً " للشاعر الدكتور " نزيه مكي " ومن ديوان "الموت في أحواض القرنفل " صور متوهجة ومعان كثيرة وقيم شامخة أراد الشاعر التوصل إليها . .
النهج الشعري الذي اتخذه الشاعر " نزيه مكي " العاشق لللغة وادابها المتفرعة والمستلهم منها معانيها ودلالاتها ، والمشتغل عليها بطريقته التي وضعها والتي يعبر بها الى الضفة الأخرى .
في صوت ِ جدتي تزدحم الأحزان
في وجهها يفتحُ الزمان له دروباً
نعرفُ أن لن ينتهي الزمان
الشاعر " نزيه مكي " يختلف تماما عن الكثير من الشعراء من الذين سبقوه ، وكذلك من الذين عاصروه ، فهو الحالم بما هو جديد عبر لغة موظفة توظيفا فنيا مؤديا إلى الغاية الجمالية والدلالية التي ترتقي بالقصيدة ،والشاعر لايملك إلا اللغة ،فهو يغوص بأدق تفاصيل ما يدور من حوله ويعطي رسائل عديدة ، وهو يشارك ليعلن ومن خلال فضائه المعرفي والادبي المفعم برؤيا جديدة ليحارب كل ادوات الجهل السائدة هذه الإيام ، هذا الجهل والتخلف الواضح امام الجميع ،يشكل له عقبة كبيرة في داخل روح الشاعر ،هو الإبتعاد عن القراءة ، والأدلة كثيرة من خلال إعماله الشعرية والروايات التي كتبها .
ومنها " هاروت وماروت " و " دمع العين شطآني " و " سورة الحمد من طرق الأرض والسماء " و " رسائل الى جمال عبدالناصر " وغيرها الكثير من مطبوعاته التي تنتشر في العالم العربي .
ولأنه عاش في بيئة تعج بالثقافة وكتابة الشعر والفلسفة ، ولكي نوضح للقارئ الذي يتابع ما نكتبه له ، تعريفه واقصد " النهج " في معجم المعاني الجامع نهج " اسم " والجمع " نهجات " ونهج ُ ، ونهوج ُ ، ومصدرها " النهج ُ ومعناها البينُ الواضح " أو الطريق ُ المستقيم الواضح ، وفي نهج ُ البلاغة " طريقها الواضح .
نقاط الدم على الأرض دليلي
دليلي إلى داخل البنيان
ولهذا حين تقرأ دواوين الشاعر الدكتور مكي تجده يسيرعلى نهج رسمه منذ دخوله في هذا العالم الذي يطلق عليه " عالم الشعراء " الخاص والذي شكله " مكي " في رسم نهج تفكيكي يليق به بإعتباره اكاديمي ويدرّس مادة الأدب الإنكليزي في جامعة ميشيغن .
بقع الدم بحجم يدي وصدري
ثم أذرع
ثم تقطع في الأعناقِ شريان .
ونحن نعلم إن المنهج التفكيكي لأي قصيدة قائم على تفكيك الأفكار والبنية الفكرية والخطابات وتهديم وتخريب التشريح وصولاً للبؤرة الأساسية المطمورة من خلال عملية إعادة النظر، ولهذا يبحث في كنوز الأداب العربية بالاضافة إلى تزوده من الأدب الغربي الحديث .
شوارع ُ المدينة عارية كالسكينِ
عاريةُ كالسنان ِ
والزاوية ُ حائطان يلتقيان
يدخلك في مجمل قصائده بالمكبوت وتفجير المقموع في عماق القارئ وهو يسجل أعلى درجات تحريك الذات كي ينتزعها من مكنوناتها الداخلية ولهذا يخاطب " بجماليون " بتراكيب ورموز وصور فنية جديدة تلامس واقعنا الحالي الذي نعيشه ويجعلها مفتوحة ، ولكن شهرة بجماليون تأتي من وروده في قصيدة أوفيد السردية بعنوان التحولات وهكذا فهمها شاعرنا " مكي " وراح يشتغل على ما نعيشه بدراية فلسفية تلاءم هذا الواقع .حيث يبدو لقارئ القصيدة والتي وضعها ضمن ديوانه تأثير بجماليون على الشاعر وهي ظاهرة نفسية يظهر فيها ارتفاع أداء الفرد بسبب توقعات الآخرين الأيجابية ، وكما يُوصَف الشاعر إنه متنبئ وفي تقديري تأثير بجماليون هو شكل من أشكال " النبوءة ذاتية التحقق "فأنا واحد من معجبيه وعندي شعور يصاحبني على الدوام بأنه كاتب وشاعر مظلوم ، وبأنه صاحب قلم وقضية لا زال يدافع فيها عن نفسه لأجل إيصالها إلى الأخرين .
في وجهها يفتحُ الزمان ُ له دروبا
نعرفُ أن ينتهي الزمان
وأين أختي التي أخي قتل زوجها ؟
وهنا يقول الشاعر " نصيف الناصري " الشعر فن طقسي ومجاله منذ البداية الصلوات والسحر واقتصاد الصيد والإلتقاط والميثولوجيا وحياة الكهوف ، وهو شخصي جدا لكن الآيديولوجيا استحوذت عليه وراحت تحمله ما لا يتحمل ، وهو فعل حرية ، ولايمكن للشاعر المعبأ بالرترهات الاخلاقية والايديولوجية أن يتحرر من ثقافته المنحطة ويبدع القصيدة الحقة ، وهذا ما تجده في قصيدة " مكي " التي أسس لها على ضوء فهمه لهذا العالم فستعان بإسطورة " بجماليون " كي يعبر عن حريته ويطلق العنان لروحه .
لا أحد في الدار
وتحبُس العاصفة ُ نفسها في الزاوية
وتنطلق ُ حرة مزعزعة البنيان
ويبقى الشاعر " مكي " يرتقي برؤيته ويسمو بتجربته ويتحرر من اللغة الالية وهويعبر عن نزوع النفس الإنسانية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق