يا سائحاً في دروب الأرض قف وهنا
عرِّج على بلدةٍ كانت لنا سكنا
وانشد هوىً في رباها كنتَ تعشقه
وما تزال له في العيش مرتهِنا
واترك فؤادك يجري في أزقَّتها
ففي أزقَّتها عاش الهوى زمنا
واجلس على باب من تهوى وبُثَّ له
شكواكَ من بعدها أو مِن أسىً وضنا
يا منزلاً كان يزهو بالتي رحلت
وقد غدا مقفراً بعد الذي احتضنا
ماتت أزاهيره ، جفَّت حدائقه
وأظلمت بعدما كانت تشعُّ سنا
*****************
ضاقت بلادٌ بمن عاشوا بها وبمن
جاؤوا إليها فقد ضاقت بهم وبنا
فغادروها وغادرنا مدائننا
كأنها لم تعد من بعدِنا مدنا
صرنا بلا وطنٍ نرجو محبَّته
ونحن نحمل في أحشائنا الوطنا
تهنا وتاه بأرض التيه مجتمعٌ
يظلُّ مستيقظاً لايعرف الوسنا
والبحر أغرقَ مَن تاهت سفينتهم
كم توَّه البحر في أرجائه سُفنا
والكلُّ مِن هول ما لاقى بغربته
من المصائب والأرزاء قد جَبُنا
والخوف عشَّشَ فينا في متاهتنا
ما عاد شخصٌ على أحواله أمِنا
والهمُّ صار جبالاً في تمدُّده
كم أثقل الهمُّ في أعبائه البدنا
****************
كنَّا ملوكاً وأهل الأرض تحسدنا
على النعيم الذي نحيا به بِهَنا
إذا أردتَ الذي ترجوه تجلبه
والكلُّ يرفلُ في بحبوحةٍ وغِنى
والكلُّ يبدو سعيداً في الحياة وقد
أعطى الحياة الذي في جيبه وبنى
وهي التي لم تقصِّر في محبَّته
فحقَّقتْ كلَّ ما يرجو وكان مُنى
وأصبح الغير يستقصي تجاربنا
فأصبحت لهمُ في عيشهم سُنُنا
ونحن نعطي ولا نرجو مقابلةً
ولا نريد جزاءً فيه أو ثمنا
ولا نمِنُّ على من يستجير بنا
فنحن نرفض فيما نفعل المِننا
أبناء آبائنا والكلُّ يعرفنا
وليس في حيِّنا عُهرٌ ولا ابن زِنا
فنحن شعبٌ أبيُّ في مواقفه
وكان دوماً على الأخلاق مؤتمنا
عبادة الله والتوحيد غايته
وغيره يعبد الشيطان والوثنا
خليفة الله في أرض الشآم وفي
أرض العراق وفيما حلَّ أو قطنا
أرض الحجاز لنا والقدس موطننا
ونحن أوَّلُ شعبٍ يسكن اليمَنا
لم تعرف الأرض شعباً مثلنا أبداً
عاش الحياة ضناً بل عاشها شجَنا
****************
أما أنا فجميع الناس تعرفني
شخصاً أبيَّاً قويَّاً كيِّساً فطِنا
وإن تَسَلْ عن فتىً للموت تطلبه
وخاف غيري فلم أكسلْ وقلتُ أنا
أنا الذي شغلَ الدنؤا وحيَّرها
ولم يزل عندما تلقاه متَّزِنا
أصبحتُ كهلاً وعقلي صار مكتملاً
من حكمة العمر بعد الأربعين جنى
رأياً سديداً وفكراً نيِّراً أبداً
وأنتجتْ خُلُقاً مستعذباً حسَنا
حتى أتت سنوات الحرب تعصف بي
فحطمتني فطاب الموت حين دنا
******************
تكالبت أمم الدنياعلى بلدٍ
كان اسمه دائماً بالعزِّ مقترنا
فحوَّلوه إلى أرضٍ بلابشرٍ
ولم يكن قبلُ رأساً في الحياة حنى
فأصبح اليوم قاعاً صفصفاً وغدا
ممزقاً وعليلاً بل وممتهَنا
ضاعت معالمه والفقر أثقله
فلم تعد تحته في النائبات بُنَى
وبعد أن كان يزهو في نضارته
أمسى وقد مُزِّقَتْ أحشاؤه عفِنا
( يا غارة الله جُدِّي السير مسرعةً)
كوني وقد كثُرت أعداؤنا معنا
ولا تكوني علينا في مصائبنا
دنيا الهوى لهمُ والباقيات لنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق