1) ألقصة:
في احتفال تأبيني ، أمتلات القاعة بالحضور ، وعندما كان الخطيب يلقي كلمته الحزينة بحق الفقيد ، أنشغل أحدهم بإخراج سيكارته المثبتة في الطقم ، كل المحاولات باءت بالفشل ، ضرب بقوه على باطن كفه لإخراجها ، ظهر صوت يشبه التصفيق ، أثار الحضور فقاموا بالتصفيق أمام استغراب عائلة الفقيد.
2) ألتحليل النقدي:
يبدو في هذا النص الخالي من اي نوع من أنواع الحوار، مدى التركيز في المعنى لكي يبقى المتلقى مشدوداً رغماً عنه إلى النهاية. ومع تتابع السرد بكل انسيابية وبساطة، نرى ان القاص أياد خضير الشمري قد توغل إلى عمق النفس الإنسانية وضمن التفكير الجمعي لينتج حدثاً مفاجئاً للحاضرين في المناسبة التأبينية وللقاريء أيضاً. نحن نصفق للتعبير عن الرضى والقناعة المصاحبة للفرح، ولا نصفق في المناسبات الحزينة أبداً، وعليه لابد أن نجد مبرراً منطقياً للقفلة التي اعتبرُها نادرة ومميزة وغير مطروقة، على حد علمي على الأقل. وسنرى من عتبة القصة أن "الأشتباه" يعادل تصرفأً غير محسوب، لا إرادي، والحقيقة إن دلائل وجذور هذا الإشتباه ونتيجته مكبوته في اللاوعي تنتظر الفرصة المناسبة للتصريف.
ونلاحظ في مجتمعنا، أننا نحاول الحفاظ على الروابط الإجتماعية وأن نكون حريصين على إدائها والتعاطف مع الإخرين خاصة في مناسبات الحزن وهذا شيء في منتهى الروعة . وعليه فإن هذه العادة قد توغلت في اللاشعور وأصبحت مؤثرة جدا تدفعنا للمشاركة فيها بغض النظر عن مدى وعمق تأثرنا بالحادث المأساوي. ولتعزيز هذه الفرضية، لابد أن نراقب سلوك الحاضرين في الفواتح مثلا، حيث طابع الحزن والألم يبدو علينا ولكن سرعان ما ننسجم مع الأخرين بأحاديث مختلفة ويبدأ التساؤل عن الأشخاص وعن امور أخرى. ولتطبيق هذا الإستدراج، نرى أن الخطيب منهمكاً بإلقاء " كلمته الحزينة بحق الفقيد ،" وبعض الحاضرين سارح وغارق في ما يشغل فكرة، وكأنه غير موجود. خاصة عندما تطول الخطبة أو يتكرر الخطباء ليصبح البعض بعيداً تماماً عن واقع المأساة، وعليه فإن عقلهم الباطن قد يكون مهيأً لأية ردة فعل غير مقصودة.
وقد كانت السيكارة المثبتة في "الطقم" ومحاولة إخراجها دليلاً سيميائياً symbol يوصلنا إلى الذروة وهي التصفيق الجمعي واندفاع الحاضرين نحو استجابة غير مقصودة. فلولا "ألطقم" لكان من المستحيل الوصول إلى هكذا قفلة. ولم يشر الوصف الموضوعي objective description لأحد الحاضرين، وجود صَفْقَة وإنما ما يشبه الصفقة، حيث فسرها العقل الباطن بأنها صفقة مقصودة. لقد اعتدنا قبل التصفيق أن يبدأ أحد الأشخاص به، في الاحتفالات وغيرها من المناسبات حيث نصفق بصورة انسيابية ضمن التصرف الجمعي. وفي عهد مضى، كان التصفيق واجباً على الجميع، والذي لم يمارسه يعتبر من المناوئين وعليه فقد نصفق لعبارة قالها الخطيب ونحن لم نسمعها بحكم بعدنا عن منصة الخطابة أو عدم انتباهنا، وإنما معتمدين على تصفيق من هم قريبين من المنصة.
والفرد ضمن الجماعة، يكتسب ردة فعلها ويمارسه وهو لا يعلم السبب الحقيقي، وانما للحصول على مشاعر الإطمئنان ضمن الوسط الإجتماعي. من هنا نفهم أن العقل الجمعي متحفز بصورة لا إرا دية لهكذا ردة فعل. وإن اعتبرنا الصفقة الأولى حافزاً و منبهاً motive فإن التصفيق اللاحق للحاضرين هو استجابةresponse. وحسب تفسير المدرسة السلوكية behaviorism فإن التكرار السابق للمنبه والإستجابة يؤدي إلى العادة، والعادة هي تكرار لاشعوري unconscious repetition لسلوك معين حيث تترسخ أكثر عند اتحادهما معاً. وعليه فقد كانت استجابة الحاضرين لا إرادية مستندة لخبرات لاشعورية قديمة.
ويتعزز هذا الإفتراض في الأنظمة الدكتاتورية ووجود "القائد الضرورة"، عندما أصبحنا نصفق خوفا على حياتنا أو من أي سوء قد نتعرض له، وعليه فقد أصبح التصفيق مرادفاً للخلاص والسلامة والأمان بقدر ارتباطه بالقلق الذي لابد من التخلص منه. إن كل ما جرى ويجري لا يمكن نسيانه وإنما يتعرض لتراكمات أفكار وحوادث لاحقة تدفعنا للتصرف بشتى الطرق بصورة لا إرادية، والتصفيق أحد هذه التراكمات.
وقد جعل القاص أياد خضير الشمري ردة فعل الحاضرين بحفل التأبين أن يكون صرخة احتجاج بمدلولات غاية في العمق لرفض الاساليب الملتوية التي تخدم مصلحة طبقة ما ، وعليه لابد من زرع عوامل الإطمئنان النفسي والثقة بالنفس لخلق الشخصية المتوازنة التي تمتلك ردة فعل عقلانية و فسحة من التفكير قبل الشروع بأي تصرف لاحق قد نندم عليه أو يثير الإستغراب.
لقد تميزت هذه القصة بعمق دلالي لافت، وهذا ما وجدته في كتابات اياد خضير الشمري عموماً، وقصتنا القصيرة هذه أحد تلك المدلولات التي لابد أن تقول شيئأً، مبتعدة عن النهايات السائبة التي غالباً ما تكون عبثية وبدون جدوى..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق