"إلى جعفر البدر...إبن البصرة البار"
لم افهم ذلك الصخب بين فترة وأخرى. شباب بدا الحماس متدفقاً على وجوههم ورجال تحلقوا حول أحدهم. شعر يميل إلى الاصفرار. بشرة بيضاء وعيون شاخصة نحوه. "جعفر البدر" ، لكن الجميع يسمونه "أبو سمير". ولم أكن الوحيد الذي يحبه، بل كل الذين يتعامل معهم. وربما زاد من حبي له، تلك القطع النقدية التي يدسها بجيب سترتي وهو يمرر كف يده على رأسي ويمسح لمحة اليتم عني.
- تذكر أن تذهب مع أخيك "عباس" إلى السينما، ولكن ليس اليوم. أنا أرفض ألذهاب لوحدك. أريدك أن تأتي معي اليوم قال ذلك وهو يشير بسبابته نحوي وشعرت أنه تحذير او تهديد. وكان يعلم أنني متلهف لأفلام "طرزان " الذي يعيش في الغابة والقردة "شيتا" من أهم أصدقائه. وقد شكل هذا البطل معظم خيالي فأنا أغفو على صوته وهو ينادي صديقته المفضلة. يحيط فمه براحتي يديه ويخرج نبرة جميلة يسري صداها بعمق الغابة.
- ولماذا يا عم؟ لابد أن أذهب اليوم.
- أتصر على ذلك؟
- لا، ولكنني رأيتُ "تومانَ" واقفاً على جسر المغايز في العشار و يقول للناس اليوم آخر يوم. يعزف بماصوله من أنفه وهو يتمايل و يطلب منا أن لا نفوِّت الفرصة.
أتسمعُ قولُ "تومانُ" وتعاندني؟ قال مُبتسمًا.
- لا يا عم. سآتي معك في المرة القادمة. وعدٌ مني يا عم.
ولم تَغِبْ عن مخيَّلتي تلك المشاهد المثيرة، عندما ينتقل طرزان متأرجحاً بالحبال من منطقة إلى أخرى بين الأشجار والأحراش الكثيفة، لكن صدمتي كانت كبيرة، عندما رأيته طريح الفراش في اليوم الثاني والبيت مزدحماً بالزائرين. إرتميتُ على صدره باكياً.
- سامحني يا عم. لن أترككم بعد الآن. سآتي معكم و أرفع علماً وأصرخ ضد أي غازٍ محتل يريد تقسيم العراق وتفريق شعبه. سأهتف وبأعلى صوتي: يعيش العراق ويسقط الإستعمار.
- ابتسم بوجهي وهو يتحسس آثار الجروح والكدمات على جسمه. لا عليك يا ابن أخي. ينتظرنا الكثير ما دامت شعلة حب العراق الموحد متوهجة قي شرايينك. كانت تلك آخر كلمات ينطقها وهو يغمض عينيه في غفوة هادئة.
علي البدر/ قاص وناقد ادبي وتشكيلي
العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق