قبل وفاتها بأيام سألت ( جدتي) ، مازحاً :
—- أأحببتِ في صباك …؟؟ أكان جدي ؟؟
فقالت :
— نعم أحببت … ولكن لم يك جدك …. ثم أردفت :
— لامعنى للحب إن لم يُصحبه قليل من الجنون …
قلت لها :
— أنا صاغ جدتي ، أنا أُحبُ الجنون …
ضحكت باستحياء ، ثم تابعت :
— أولا أُريد قلباً أحكي له ما اشاء ، وهو صاغ لي بإهتمام … والاّ تخبر أحدا ً بسري قبل أن أموت … وتابعت جدتي حديثها :
( كان عمري ستة عشر عاماً ، ومنذ ذلك الوقت دُفن السّر والألم باعماقي … حتى أصبح غطاءً لأنسجتي ،. وعضلاتي … ، نعم ، كان ذلك الفتى اللطيف ، وإن كان متهوراً ،فهو ايضاً كان ذكياً ومرحاً ، ووسيماً جداً … عندما كان ينظر اليّ كنت أذوب كالكعكة الطرية ، وكان ذلك مذهلاً ، ويبدو إن ذلك الشاب القمر قد أخذ كل أمنياتي وأحاسيسي … والتقينا قرب بيتنا أول مرة
مال اليّ وقبلني ، وأنا قبلته كذلك ، تحت ضوء القمر … وبمجرد أن أنتهيت من تقبيله ركضت داخل البيت … وأغلقت الباب ، رقصت … ورقصت فرحة…
أتصل بيّ في اليوم التالي ، عن طريق ابنة الجيران ، لكني لم اجبه…ولم أرد له خبراً … لأنني بكل بساطة كنتُ مرعوبة جداً … وذهبت الى الفراش، وحلمت بتلك القبلة… فكرتُ بها كل ليلة ، كل صباح وكل مساء ، حاول مرات عديدة ولكني كنت شديدة التوتر ،لقبول تواصله ،…
ثم تابعت جدتي ، وأنا مصغ تماما :
أظنّ أنني لم أرده ان يقول إنه كان مخطئاً ، او يُعطيني فكرة سيئة عن نفسه … بل كنت أُحاول أن اتشجع ، وأن أُجيبه على الأقل ، كنت أُريد أن أُخبره :
— إنها كانت قُبلة رائعة …وربما ، وربما علينا تكرارها
كنت أُفكر بتلك القُبلة كل ليلة… وكيف جعلتني أشعر بالكمال … وإني سأعاود الاتصال به … ولم أتواصل … وظلت تلك القُبلة الوحيدة غذائي لسنوات طويلة ، وكأنها وشمت على شفاهي … حتى بعد زواجي من جدك … ظلت ملتصقة في عقلي وقلبي ، ولم أستطع نسيانها ،وإنها ستبقى الى ابد الآبدين …
ثم تنهدت وتابعت :
رأيته ذات يوم في السوق بعد عشرات من السنين …عرفته ، ضحكتُ… لقد نظر اليّ هو الأخر وأبتسم … أبتسم لي بدوره ، فلوّحتُ له بيدي ، فلوّح بدوره … بعدها جاءت امرأة ، وضعت يدها على كتفه ، ومن ثم طفلان صغيران، بل ثلاثة أطفال صغار … صبيان وفتاة ،أمسكوا بساقه يتصايحون ( ابي … ابي أيمكننا شراء تلك الكرة ) ٠
إنها زوجته بكل تأكيد …أطرقتُ الى الأرض ثم نظرت الى نفسي عبر زجاج نافذة سيارة متوقفة قربي … فرأيت تجاعيد وجهي …كانت يداي متهدلتين …
لديّ دوالي في ساقيّ … ولدي أجزاء متكتلة ،. البعض الاخر مقشرة ، وشعري كالقطن … كنت في الستين من عمري ، وهو كذلك ،بدا رجل أشيب ، ويبدو ضعيفاً جداً …ظهره محدودب ، وكأنني فقدت تمييز الوقت نسيت الزمن عندما تقابلنا وجهاً لوجه ، ولكنه استبق الامور وقدمني الى زوجته ، بدت غير مهتمة بيّ ، أظنّ إنها كانت ستكون أكثر إهتماما بيّ لو عرفت كم كان مهتماً لعشقي ، لو علمت كم كان يعني بالنسبة لي ٠
وفكرت حينها ( كان عليّ الاجابة عليه ذلك اليوم ، قبل خمسين عاما … ، وفكرت لِمَ أنا كنت خائفة ؟؟
دمعت عينا جدتي ، ويبدو لي إنها رجعت الى الوراء ستين عاماً ، وعلمت أن جدي لا يعني لها شيئا ، وأن قلبها كان ولايزال مع ذلك الفتى اشعث الشعر …
وإن حبها لم يمت إطلاقاً……
—- هذا غير عادل يا جدتي …
قلت لها ذلك …تركتها منكسرة ،ولعنتُ تلك السنين التي أخذت صحتها ولم تأخذ ذكرياتها ،
أنا الان بحاجة لإيقاف نزيف قلبي …لم أنم تلك الليلة ،بل بقيت أنسج من خيالي نهاية سعيدة لها حيث شعرت بأني سرقت أعزّ مالديها ٠
— رحمك الله جدتي …وآسف لإن وقتنا معاً كان قصيراً ، وإن سُرك سيدفن معي ٠٠٠٠٠
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق