( كوثر الروح ) ومصطفى الحاج حسين , وآيات
من السحر إلى أعماق الحياة , وترف للغد بتدفقات
من الوله .. وأي سحر يقوده إلى أغوار النفس إلى
جنتها المخضلة بالضوء الفاعمة بطيب الوجد
والشوق :
( سيأتيك انهمار صباحي
موشحا بأجنحتي
ويكون ندى شفتيك
في اشتعال خصيب ) .
أقرأ حكاية شعرية مخبأة بالقلب , من أبداع
وتجليات شاعر انطباعي سوري حد النخاع , يخرج
بأي نص بأنغام عذبة سحرية , وهنا حكايته
الممتدة بين الوطن وغربة الروح , تعانق
المحسوس, تمشي بحذر موشحه بإيقاع المعنى ,
بصيرة وريد ينتفض حبا يتطلع إلى محاسن
ألأنثى , بشغف وتصوير جامح للحبيبة الموصوفة
بكوثر الروح ...
ليس لدى ذاكرتي شاعر لم يكتب الحب , ولا يوجد
في جوهره جموح للغزل , يخفيه بالرموز بالدلالات
ولكن هنا الشاعر يجمع بين الحب والغربة وزمن
الحرب في أزمنة البؤس ,
الشاعر الكبير هو الذي يصنع من هذه الماسي طراوة
وجمالاً وبرهانا على إنسانية الإنسان بكل الظروف ...
أتكلم عن آلية التذوق لهذا النص عن استقرائي له
وتأويله واستقصاء بريق الجمال وانعكاسه علينا
الأنثى في هذا النص هي المناخ الإنساني للشاعر ,
وهي المكان الهادئ والآمن , الشاعر يعاني الغربة
والبعد عن الديار نتيجة الحرب , لذلك يبحث عن
الفردوس المفقود سواء في الخيال أم الواقع , انه
بموقف حيادي يتدفق حبا ويتماهى ويكتشف
انثاه , لهفة وكوثرا للروح :
( وأفرش الأرض بلهفتي
وأغسل لك ماء البحار بأمطار لهفتي ) .
وأي جنون للعشق وأي لهفة بهذه الدهشة
والحميمية ..
النفس لحن كما قال( ملارميه) وهذا يعني أن اللحن
حقيقة يؤدي مهمته في إشاعة النشوة بصور ممتدة
منبسطة غير معقدة ولا متكلفة تضيف الحركة
وتشع جمالا بالحياة , في شعر الحب لدى شاعرنا
شيء من الوله الروحي , قوة ضمنية ناطقة ,
حواس تتمثل الجمال ...
الشاعر يمزجك بالطبيعة بأدغال عشقها , يطيرك
نحو السحاب إنها ايجابية مطلقة وتجلي بصور
حية متحركة تختزن الموسيقى والجرس ...وهذا
يدلك على انطباعية الشاعر ومثاليته في الاندماج
العاطفي :
(أنا المسكون بأصداء ظلالك
أقشر النسمة من أشواكها
لئلا تخدش رقتك
وأعطر لك حنان السحب
لأحمي فراشات ضوئك ) .
شلال من الشعر يومض بالحياة نعومة بالألفاظ
تشعرك أن الشعر هو المرأة التي يقدسها الشاعر
وإبداعه من طيفها ومن غوامضها المكنونة
الشاعر صياد ماهر للصورة الشعرية , بديع في
خلقها , ترابط بينه وبين المحسوس انه مخزون
من( الليبيدو ) كأي إنسان ويحاول أن يجسد
مبهمات هذا ( الليبيدو ) ويستخرجها برموز
محسوسة ...
كان( رامبو ) الشاعر الفرنسي يتخيل أن لبعض
الأحرف ألوانا وأصباغا في اجتماعها , وكيف ينبغي
أن يقوم اللفظ برسالته الإنسانية الحقه مع هذه
الألوان ,
انه الشاعر المتمكن , هو البارع الذي يستطيع
استحضار ألفاظ تضج بالحياة واستمرارها
وانسجامها , كأنغام ندية تناغم القلب فيحن إليها
ويحنو إليها بصور سخية تغازل الحياة القصيدة
جميلة تقيم علاقة روحية مع الآخر بجسور من
المباشرة والرمزية والاجتهاد الواعي . القصيدة
ارتكزت ببنيانها على جميع أدوات الشعر ,
والقصيدة هنا هي روح الشاعر كتبته ولم يكتبها ,
هي العالم الذي يسعى إليه ويشده من خلال أنثاه
القصيدة وحدة عضوية راسخة ليست طويلة حتى
لا تفقد عضويتها وإشراقها هناك قيمة إنسانية
مطلقة على خلفية هذا النص , عمل متميز وقابل
لقراءات أخرى ويتحمل أكثر من مواجهة نقدية ,
وأنا لست مختصة بعلوم النقد بل أقرأ الجمال
والمنطق في نبوءة اللغة وفي المرتكزات الأساسية
والبنية الدلالية لأي نص حديث :
( لأجلك الشمس تتوضأ
من كوثر روحي
والقمر في كل ليلة
يسبح في عنبر قلبي
يا لحبي إليك ما أوسعه ) .
أجمل مافي النص النثري الحديث بدايته ونهايته ,
النهاية كانت فضاء ميتافيزيقياً على مساحات قلب
الشاعر وروحه , لا حدود لعزف الحب في قيثارة
روحه .
القصيدة :
( كوثر الروح ) ...
شعر : مصطفى الحاج حسين .
سيأتيكِ إنهمار صباحي
موشَّحاً بأجنحتي
ويكون ندى شفتيكِ
في اشتعالٍ خصيب
أزوّدُ أغصانَ همسكِ
بصلاةِ قبلاتي
وأعدُّ مافي كفّكِ من رحابٍ
لأدفنَ بكائي
في عمقِ ناركِ
وأركضُ تحتَ خصال بوحكِ
دروباً تفضي إلى آفاقِ أنفاسكِ
أمدُّ إليكِ أدغال عشقي
أعلّقُ موتي على أكتاف المدى
وأبحرُ شوقي في عنقكِ
أشعلُ في فضاء طهركِ
شموس حرماني
أنا المسكونُ بأصداءِ ظلالكِ
أقشّرُ النّسمة من أشواكها
لئلّا تخدشَ رقتكِ
وأعطّرُ لكِ حنانَ السّحاب
لأحمي فراشات ضوئكِ
ألملمُ من تحتِ أقدامكِ
غبار النّقاء
وأفرشُ الأرض بلهفتي
وأغسلُ لكِ ماء البحار
بأمطارِ لهفتي
حبيبتي
لأجلكِ الشّمس تتوضّأ
من كوثرِ روحي
والقمر في كلِّ ليلةٍ
يسبحُ في عنبرِ قلبي
يالحبّي إليكِ ما أوسعه ؟!.
من ديوان: ( أجنحة الجمر )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق