الشعر فن من الفنون الأدبية، والمرآة العاكسة لذات الشاعر وعواطفه وأنفعالاته، فهو يستند الى صيغ جمالية وبلاغية وصورية وإبداعية في تأطير أي موضوعة يتم تناولها، تراه حيناً يخاطب القلب والروح كالشعر الوجداني أو العاطفي، وحيناً أخرى يخاطب العقل والفكر كالشعر السياسي، أو الوطني، ولكن يبقى الشعر شعراً مهما تعددت أغراضه وأختلفت توجهاته، محافظاً على قيمته الأدبية والفنية والجمالية.
والشعر السياسي (الشعر الوطني) أحد فنون الشعر العربي، بل هو من الأغراض الشعرية الحديثة في الشعر العربي المعاصر، كان ومازال فاعلاً متفاعل مع الطروحات السياسية بكل تفرعاتها. وهو الذي شكل ثنائية سلطة وشعب. فهو الرابط العاطفي بين الشاعر ووطنه، ومشاعر الولاء والتعلق به، السمة الابرز لهذا الشعر. وأبرز رواده في العراق (بدر شاكر السياب/ عبد الوهاب البياتي/ محمد سعيد الحبوبي/ محمد مهدي الجواهري/ مظفر النواب/ معروف الرصافي/ نازك الملائكة)، وغيرهم كثير.
أن الشعر السياسي (الوطني) ليس مجرد صور شعرية تقابل بالأطراء والأعجاب، وإنما هو شعر ذات محتوى رسالي، يحث القارئ على تنمية دوافعه السياسية وتوظيفها من أجل أستنهاض الهمم والنهوض بمستقبل شعب ينعم بالحرية والرخاء والسلام .. كذلك يعكس الواقع السياسي (الموجه للإصلاح السياسي من منطلق فكري، سواء أكان هذا الفكر وطنياً أو قومياً أو إسلامياً أو غير ذلك).
واذا أردنا أن نختار جانب هام من جوانب شعر "حسين جبار محمد"، فليس أمامنا ألا شعره السياسي. والتفاتته نحو الهمّ الوطني، والتفاعل العميق مع هذا الهمّ، لأن الشاعر الوطني (يلتزم آلام أمّته وآمالها ويتغنی بأفراحها وأتراحها، يدافع عن وطنيته ويتمسـﻚ بقومّيته ويعبر عن مواقفه الثابتة بصراحة وشجاعة)، محمد عبدالله عطوات، الإتجاهات الوطنیة في الشعر الفلسطیني المعاصر، ص224.
فالوطنية رافداً مهم للشعر الوطني. والشاعر "حسين جبار محمد" عندما يخوض غمار هذا النوع من الكتابة الشعرية، فأنما ينتهز موهبته الشعرية وقدرته على كتابته. فيقدم لنا مفتاحاً رئيسياً لدراسة الشعر الوطني في نصوصه، والناظر المدقق في هذه النصوص والقارئ لها قراءة فاحصة، تتكشف له ظواهر وطنية وقومية عديدة، يجدها تمتاز بالصدقية، وبما تحمله من دلالات على مستوى الرؤية والوعي، كما انها ترمي الى نضج تجربته الشعرية وتطورها، والتي لا تخلو من إثارة الأنتباه، لأنها تمثل أنعكاساً للواقع، وتركيزاً عليه.
والمتصفح لدواوين الشاعر "حسين جبار محمد" لن يجد كبير عناء في جمع قصائده الوطنية وأخراجها من عموم مجموعاته الوجدانية الإنسانية الأخرى، التي هي مشاعر ودفقات شعورية بين ثنايا القصائد الأخرى .
إن أصالة التجربة الإبداعية لدى الشاعر "حسين جبار محمد" أكسبت شعره طابع البساطة والرقة، فهو قادر على أن يبعث في المفردة المنتقاة نبضاً متجدداً، مفردة ثرية ومليئة بالإيحاءات والدلالات اللغوية والفنية والرمزية الخالصة التي تلخص الإطار العام للرؤيته الشعرية، وذلك في أستخدامه الأدوات الشعرية المتعددة، من أجل تجسيد هذه الرؤية، ومن تلك الأدوات أستخدام اللغة والصورة والإيقاع، إضافة إلى أدوات أخرى التي أمتزجت أمتزاجاً رائعاً بأبعاد رؤيته الشعرية.
أن دراسة شاملة وتعمق في المجموعات الشعرية التي صدرت للشاعر "حسين جبار محمد" وهي؛ (شاعر ناسك الحرف/ شاعر همسه الحرف قلبه الورق/ شاعر في زحام القيود/ شاعر في جب المعنى/ مرساة في شاطئ الخيال/ من سيرة القلعة)، وقراءة البنية النصية لها، يدرك أنه عمل على تطوير مضامينه الفكرية والسياسية، وأدواته الفنية وأنشغالاته بالهمّ الوطني أنشغالاً كبيراً، كل هذه المضامين أنعكست في تجربته الشعرية، لإنه يدرك حجم الرسالة الفكرية والأخلاقية التي يحملها أتجاه وطنه، معبراً في الوقت نفسه عن أزمة الإنسان.
أن الرؤية العامة في أعمال الشاعر "حسين جبار محمد" الشعرية، تتألف من بعدين أساسيين هما: البعد الوطني والقومي والبعد العاطفي، وهما يمتزجان معاً امتزاجاً عضوياً، الأمر الذي ضمن لهذين البعدين درجة عالية من النضوج والعمق والتكامل، ومن هذا المزج، ينبثق همّه الوطني والقومي، وهمّه الذاتي. وترجمة هذه الهموم والمشاكل التي يعانيها أبناء الشعب، والإفصاح عن آرائه وتوجهاته، في نصوص وأطروحات أدبية وشعرية وفكرية، نُسجت من خيوط شعورية ونفسية متشابكة، هي مزيج من مشاعر وأحاسيس مختلفة، الأمر الذي أكسب نصوصه قدراً كبيراً من التنوع، الزاخر بالمعاني العميقة، والصور الشعرية المكثفة.
لقد أستطاع بفضل ثقافته الواسعة، ومقدرته اللغوية وأسلوبه المتميز، أن يطور أدواته الشعرية الفنية، ويسمو بها نحو الإبداع والتجديد ليلائم مقتضيات التطور والحداثة في المسيرة الشعرية المعاصرة.
تتعدد الأساليب التي يستخدمها الشاعر في كتابة شعره، فهو يستخدم لغة شعرية خاصة تساعده على إيصال ما يريده، فتتسرب الى نصوصه الشعرية أسلوب المباشرة المفرطة في تصوير الفكرة، والنبرة الخطابية، والتقريرية، في نسج خطابه الشعري، في إيصال الفكرة، وطرح الرأي السياسي، ورؤيته للوضع القائم، سواء كان ذلك في الأطار الوطني أو القومي أو الإنساني. كذلك هناك ملاحظة أخرى في مجمل قصائده الوطنية، الأهتمام بالبناء الفني للنص ودلالاته الإيحائية، وأستعراض قدراته اللغوية والتصويرية.
* من ديوان (شاعر ٌناسكُ الحرف)، من نص (وصايا) ص٩٦
لملم جراحك المتوزعات بين الحواضر والمنافي// واصل خطوط صبرك// فبغدادُ بين الحلم المقطّع والسيف المداجي
من نص (اشرق النهار) ص١٨
عانقي ياشمس ارضنا// عانقي الخلود// وقبّلي ياشمس// قبّلي الثغور// فالعراق في الكبار شمسٌ// في الطلْ نبتٌ في الصحراء نبعٌ// في الزرع سقيا// في البحار النسيم.
* من ديوان (شاعرٌ في زحام القيود)، من نص (نجوى)، ص٤١
يا نخلتنا الجرداء// الغابةُ من زمنٍ ماتت //والخُضرةُ في الزلزال تموت// ساقيها شُلّت يده // والريحُ المسمومةتسفي...
* من ديوان (الشاعر في جب المعنى)، من نص (ارض النفير)، ص١٠٢
من لرحلك حين ترتعب الخيول// وتهربُ من لجامها وينهبها الطريق// وابن آوى ناطر امتعة الصحب مؤتمن الجموع
من نص (الابناء المارقين)، ص٩٤
هجينٌ امرك ياعراق// غريبٌ امرك ياعراق // بين القاتلين تسير// بين السارقين تنام // تُيّمنُ بالاشارة منهمُ// تُصلّلي بما وقّتوا // وان تقلع من العيون رموشها// وان تركض ضاحكاً بين المارقين// وان ترقص لموتك ياعراق
* من ديوان (مرساة في شاطئ الخيال)، ص١٥
رمادنا المنقوع بالردى// المغموس بالجراح//حقل زهرٍ يضوع// رمادنا المنقوع بالدم//غابةٌ من منايا// تؤوب دوماً حياه// رمادنا المنقوع بالصبر// يؤوب دوماً جباه// مرفوعةٌ للسماء// حبلُ وصل لكربلاء
* من ديوان (شاعرٌ قلبه الحرف ... همسه الورق)، من نص (صور)، ص٤٦
في مقهى الحرية// جلس القيدُ اسيراً// صلّى بعد النادل جمعاً// ادى الحجّ صفيراً// صام سنيّ العمر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق