الحياة لعبة العنكبوت
الزمان ، إنه يحمل مفتاح قلوبنا بيده ، يرسم لنا هئية ، ثم لا يلبث ان يمحوها .
يلعب بنا كما يلعب طفل بدميته ،وعندما يمل منها يحطمها .
في حضرته نمشي على بقعة من زيت .
تارة الألوان مفرحة وطوراً قاتمة .
تلك هي الحياة بمجملها .
حيرة في حيرة .
عجباً ، كم نتغير مع الأيام ، فليس هناك إيقاع ثابت لحياتنا ، ننظر احيانا في المرآة ، فنجد شخصاً مختلفاً عنا .
نظن أننا مازلنا شباباً فإذا بنا نشيخ ، أن كل لحظة من اليوم تولد فينا مشاعر متناقضة ،
قد نشعر عندما نستيقظ صباحاً بنوع من الإرتياح ولكن سرعان ما تواجهنا الحياة بصلفها وانكسارها وهمجيتها .
ويشدنا الفجر إلى أن نعيش ذواتنا ، في العودة الى جو من الاستبطان الداخلي والتحركات الجوانية .
وعندما نحاول في الليل ان ننام ، بالعودة الى أٍرارنا الدفينة ‘ يرهقنا بالمخاوف والحسرات والذكريات .
يصف لنا الشاعر ( ريفردي ) في إحدى قصائده ، كيف يتحول الإنسان في لحظة واحدة من النقيض الى النقيض :
لقد تركت أحداً ما
بعيداً عني ..
او يقول :
الساعة التي تدق في البيت
هي بمثابة قلب
أن نكون افضل
او نقتل أحداً .
الزمان لا يرى ولا يرحم ، انه يجعلنا في لحظة ما نفرح ، وفي لحظة أخرى يزهق روحنا .
( كل التواريخ خاطئة )
يقول بلير رفيردي لأن الأيام كلها متشابهة ولا نستطيع ان نميز بينها .
في الحقيقة إننا نشبه عابر سبيل ينام على الارصفة ولايجد مأوى ، يعيش وسط اشباح من اشباهه ، هو رقم بين الأرقام لا يلبث ان يضمحل ويضيع في الزحام .
أن الحياة تمشي حسب هواها .
لا يستطيع المرء أن يزيح قيد أنملة من مسيرها ، ونحن إزاءها نتبدل ونتغير على الدوام ، ونفترق ونندمج .
إننا في الواقع نحيا دوامة التقلب والتحول .
كان بروست أول المبشرين بنظرية تفكك الشخصية البشرية .
ومع ذلك نرى صاحب رباعية الاسكندرية يقول :
إن الإنسان ليس ( أنا ) واحدة .
بل ( أنوات ) تختبئ في داخلها كل أنواع الخير والشر .
في الحقيقة كل منا يتقمص ادواراً مختلفة ، فنحن مع الحبيبة عشاق عاطفيون حالمون ،
لكننا في المنعطف الآخر كارهون ، قساة معندون .
كما أن الألفاظ التي ننطق بها ، ليست دائماً معبرة عنا ، احياناً ننطق بها لا ارادياً ولا شعورياً ، وفي الصورة العامة .
المقابلة لحياتنا يتموه الواقع الصحيح .فننفدع عن منابع الألم الكامنة في أعماق النفس .
والذي يتأمل جيداً يفعل بين لحظة واخرى ، يجد ان تصرفاتنا وسلوكنا ونظرتنا الى الأمور لا تكفيها شخصيتنا .
كما يحلو لنا ان نعتقد .
بل وضعنا في الزمان والمكان فلكأننا في خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء .
في رباعية الاسكندرية للوريس داريل وفي الجزء ( بالتازار ) يقول بالتازار :
وفي النهاية سيجد الإنسان ان كل شيء يصدق على كل إنسان ( القديس والشرير )
صديقان اقام لورنس داريل ( رباعية الاسكندرية ) على النظرية النسبية ، وهذا شيء جديد كل الجدة في الرواية المعاصرة ، لم يسبقه إليه أحد ، فهو يدعى أنه صمم بناء رواية ( رباعية الاسكندرية ) على الفرضية النسبية وأن كل جزء منها يمثل أحد الأبعاد الاربعة : الطول ، العرض ، العمق ، والزمن .
أي كل انها تمتلك ثلاثة أبعاد مكانية وبعداً زمنياً واحداً تؤلف كلها معاً ، مختلطة ، منسجمة ، فكرة الاستمرارية اي :
كانت صورة القرون الوسطى عن الكون مؤلفة من ثلاثة أبعاد : العالم والجسد والشيطان.
( كل منها يستحق كتاباً ) فأضفنا إليها نحن المحدثين بعداً رابعاً ، الزمن .
فرباعية الاسكندرية كما يعرف كل من قرأها .
هي القصة واحدة محكية بأربع طرق متبانية ، ومأخوذة من اربع زوايا مختلفة ، أنها أربع عجلات تدور شرقاً وغرباً وشمالاً ، إنما حول محور مشترك ، وهي لا تقصد استعادة الزمن بل تحريره وخادع ، وعكس الشخصة البشرية على مراياه ، حيث يصبح ميدانا خصباً لشتى الميتات والولادة الجديدة .
في الحقيقة ان الزمن تجريدي وخادع ، ولا نستطيع أبداً الفرار منه .
انه يحيطنا من كل جانب .
كأنه هو المسرح ونحن الدمى ، يحركنا بخيوط من عل ويعبر عن افكارنا أكانت صحيحة أم غير صحيحة ، هذه هي لعبة العنكبوت ، ولا فكاك منها أبداً
د. فراس الفهداوي الدليمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق