ياعيدُ، قمري يسرِّحُ غزلانهُ في أرضٍ برِّيةٍ ، والمروجُ تصحو فوق ضلوعي، يردها على ساقيةٍ غائرةٍ و على صدري شلالُ العذوبةِ، يتسولُ الكرومَ النائيةَ ،و دنانُ الخمرِ على شفتي ، يرعى غنمهُ في البوادي ، و السَّنابلُ في راحتيَّ ، بغيابهِ أعدُّ الايامَ، و أمضغُ مرَّ الليالي، أنا لاأدري كيف ضاعتْ من عمري فراشتهُ ؟! ولاأعرفُ كيفَ ألممُ من حبِّي فازهُ ؟ !
أنا اليومَ كالفراشاتِ البديعاتِ على ضفافِ العاصي مزروعةٌ بالعتمةِ ، مسكونةٌ بالألمِ ، يضنيني الزمهريرُ القارسُ ، يسفحني اتساعُ اليبابِ و غيابُ بارقةِ الرجاءِ، يقلقني هجرةُ عصافيرِ الخميلةِ لبلادٍ نائيةٍ لا أملَ برجوعها ولا رجاءَ بلقياها .
أمواجُ الشوقِ البنفسجيةُ تتلاطمُ في مهجتي ترتطمُ بصخرةِ عنيدةٍ في مهاد فكري ، تذروُ رمالها على زيتونتي الناضجةِ ، لكنَّ أوقاتي الخريفيةَ قشَّرت برتقالها ، وخلعتْ ثوبها البنيَّ السميكَ احتفاءً بكَ ، معركةٌ شديدةٌ في ساحِ ضلوعي انتصرَ فيها الحنينُ وغردَ بلبلُ الشَّوقِ ، زيتونةُ عمري كتمت آهاتها الثخينةَ ، ضمَّدتْ جراحها بشاشٍ الصبرِ ، ولبست فستاناً قصيراً حُفرتْ أكمامهُ ، صدره مطرزٌ بالفلِ الأبيضِ و أوراق الغارِ، لتتنسمَ عطرِكَ السوسني مع فراشاتِ الحبِّ
في الصباحِ أركبُ قطارَ الأحلامِ السعيدِ وهوَ يختالُ بينَ وهادِ الخيالِ لأقفَ على جسرِ الذِّكرياتِ البهيِّ، ألوِّحُ لنوارسِ الأحبةِ كسربِ بجعٍ هاجعٍ ينتظرُ قدومَ الربيعَ قربَ بحيرةِ خالَ أنَّ في أمواهها أسماكُ الأمل .
وعند المساءِ أعزفُ مع جوقةِ النحلِ نشيدَ الإيمانِ غيرَ مباليةٍ بعصفِ الريحِ : صلبوا ملكَ الحبِّ في بلادي منذُ حربين وأزمةٍ ، طعنوا جنبهُ بحربةٍ حادةٍ ،فخرجَ للوقتِ دمٌ وماءٌ ، وعقدوا على رأسهِ إكليلاً من شوكٍ ،ماتَ عنَّا وقامَ إلهاً ، وكانت القيامةَ ربيعاً أخضرَ !!
أيها الحبُّ المقدَّسُ ، امنحني وهجكَ الأنقى ، ازرعني وردةً تشعًُ بريقاً في قلبٍ أقدسٍ ، إنِّي أثقُ بقوتكَ ، وغنى ينابيعكَ ، سأوقدُ آخر نبضٍ من فؤادي شمعةَ عطاءٍ ، ليشرقَ فجركَ في عينيَّ ، ويعودُ الفرحُ لقصورِ جسدي و يضيء ظلامَ روحي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق