لم أكن أعلمُ حين زرعتُ بذورَ الكندر والرشاد و غرست شتولَ القرنفل والخزامى على شرفة منزلي في صناديقَ من الفلين المنتهية الصلاحية والأصائصِ الصغيرةِ أنَّي سأعودُ مزارعةً عاشقةً للشَّمسِ والنسيمِ بعد سني غيابٍ، أنتظرُ أناملهما الرشيقةِ لتمدَّ زروعي بنسغِ الحياةِ ،وأنسى خساراتي الجسيمةَ ، وأفتش عن أقراط الدفء المنتظرةِ شغفي بالجمال ،فأكسرُ سلاسل الإهمالِ وأرمي أسمالَ الروتين في زاوية بعيدةٍ عن مرأى العيون ، و أنطلقُ في موكب الصباح الوردي مع أوَّل خيوطِ النورِ ،لأكحِّلَ عينيَّ بقلمها الأخضرِ وأجمِّلَ رموشي بميلٍ أزرقَ تهديني ألقه مصانعُ النسيم الأنيقةُ ، و لاتستطيع أحدثُ مبتكراتِ التكنولوجيا أن تمنحني درجةً واحدةً من أريجهِ المعطارِ وضوئه المؤتلقِ بالزهر .
طموحي النهرُ منسوبه أعلى من إناء جسدي النحيلِ ، والدربُ إلى قصر السعادةِ شائكٌ و ضيقٌ جداً ، و خطاي ضعيفةٌ كطفلةٍ تحلم بجناحي طائرٍ لتمسدَ غرةَ الجبل ، أقفُ في سفحِ الأماني كغرسةِ زيتونٍ ترنو إلى أشجارِ الليمونِ فوق السياجِ ، و كحسناء تصافحَ فارسَ أحلامها القادم على حصان أبيضَ ، و تضمَّ أسرابَ العصافير العائدة مع بناتِ الربيعِ .
ولم أكن أعلمُ أنَّني حين خصصتُ بعضَ الوقتِ لهواياتي الثمينة ، ورششتُ عليها بعض الحبِّ أنَّني سأصلُ إلى ذاكَ القصرِ المنيفِ ؛ قصرِ البهاء ، وأيُّ قصرٍ !
تعلمتُ في مدرسةِ الزروعِ أسرارَ الفرحِ ، اختصرتُ الطريقَ إلى حدائقُ العلمِ ورميتُ كلَّ خساراتي التي علقتها ذاتَ ألمٍ على مشجبِ الزمن ،سامحتُ نفسي وعطفتُ على فؤادي الذي صدَّق بهارجَ الهزيمةِ ، وشربَ كأسِ المرارةِ من أباريقَ مزيَّفةٍ .
و رأيتني في الدربِ ذاتهِ معَ نخبةٍ من المبدعين في مهرجانِ الفنونِ أزرعُ حقولَ الفكر بشتولِ المعرفةِ و وغراسِ العطاء ، و أرعاها بماء الاهتمام وسماد الابتكاراتِ والبحوثِ ، أحرثها بضروب التقليم، فتنمو هنا مدرسةٌ و ترتفعُ هناك جامعةٌ ، وهنا يصعدُ مصنعٌ يحتفلُ بميلادِ منتجاتهِ وانطلاقها إلى مدن النورِ
وما أجمل أن تصافحك ألوان الجمالِ في أقاليمِ العلمِ
أتراني التقيتُ نهرَ الحبورِ في ابتسامةُ الزروعِ فصافحني النقاءُ ؟ !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق