أبحث عن موضوع
السبت، 17 سبتمبر 2022
القادمة تحت المطر............ بقلم : محمد توفيق ممدوح الرفاعي - سورية
مع إشراقة شمس خريفية ، أخذت تتسلل أول خصلات جدائلها الذهبية الممزوجة بلون الشفق البرتقالي الزاهي عبر ستائر نافذتي ، استيقظت على صوت زقزقة العصافير على شرفة نافذتي وكأنهم في احتفال كرنفالي او عرس يزفون عصفورين عاشقين ، اللذين كانا يصفقان بجناحيهما ويرقصان طربا ويتبادلان القبلات وسط حشد العصافير التي كانت تحوم راقصة حولهما .
تسللت من فراشي بهدوء وصمت لأقترب من النافذة كي أستمتع بهذا المنظر البديع وأترنم على شدو وألحان أغاريدهم وهم يؤدون أجمل طقوس العشق العفوي الذي يوحي بكل معاني الحب والرومانسية ويشحذ أجمل العواطف في النفس العاشقة للجمال .
كان المنظر ولا أروع فقد صبغت الشمس أفق السماء بالوان جميلة رائعة صبغت سحب الخريف المتراكضة فأضحت لوحة فنية يعجز عن رسمها امهر الفنانين ، فكانت هذه السحب تحجبها تارة وتنقشع تارة أخرى والجو معتدل رغم أنه يوحي بأن السماء قد ترسل غيثها في أية لحظة ، ومما يزيد المنظر جمال تلك الغابة المترامية الأطراف والتي أستطيع رؤيتها من نافذة غرفتي فلا شيء يحجب بينها وبين الغابة .
وقفت أراقب العصافير الراقصة بهدوء وأترصد حركاتهم بشكل فضولي وسرحت بنظري عبر تلك الغابة وقد أصبحت كلوحة فنية في مرسم فنان بارع ، فبعض الأشجار قد تعرت من أوراقها وأخرى اكتسبت أوراقها لونا اصفرا أو برتقاليا ، والبعض تحدى عوامل الخريف وقسوته فاستطاع الحفاظ على لونه الأخضر ، وقد امتزجت زقزقة العصفورين مع صوت حفيف أوراق الشجر المتطايرة ، مع النسمات الغادية والرائحة وصوت المطر الذي بدأ بالهطول على شكل زخات خفيفة لتشكل سيمفونية موسيقية مع صوت احتكاك الأغصان العارية .
وأمام هذه المناظر الخلابة والأصوات الجذابة تناهى إلى سمعي صوت أقدام ناعمة لعذراء صغيرة تسير متسارعة الخطى فوق تلك الأوراق المتساقطة حفيفا خفيفا مميزا ، أصغيت السمع بفضول علني أتبين من تلك صاحبة القدمين التي توحي بأنها لعذراء عاشقة تجد السير تخشى الغرباء متلهفة للقاء الحبيب الذي ينتظرها على احر من الجمر فغامرت شوقا للقائه في هذا الجو الخريفي ، نظرت إلى البعيد القريب ، وانا احدث نفسي بأنني قد الفت صوت تلك الأقدام الغضة من قبل فإن لها وقعا خاصا في نفسي واحتفظ بذكرى لصحبتهما .
فكمْ شهدت تلك الغابة لقاءاتي مع فتاتي الحسناء التي اعتلت عرش قلبي ، وفجأة طار العصفوران العاشقان من على شرفة منزلي متجهين إلى الغابة وكأنهما يعلمان بقدوم تلك الفتاة ولديهما قصة معها فهبا لاستقبالها ، غابا عن عيني برهة من الزمن ثم عادا وقد اصطحباها وهما يرفرفان فوق رأسها .
اجل كانا يعلمان بقدومك ولذلك كان احتفالهما على شرفة نافذتي ، أتيت تسارعين الخطى وتقطعين المسافات البعيدة بلهفة إشتياق تصارعين رذاذ المطر الذي بدأ يتساقط على استحياء وقد ضممت يديك إلى صدرك تهدئين نبضات قلبك المتلاحقة كأنها تجد السير لتصل إلي قبلك فكانت ترسل النغمات اثر النغمات تتسلل إلى أعماق وتين قلبي لترتمي فيه ، ثم تمسكين بزوايا معطفك المتطاير لتلتحفي فيه تحاولين جاهدة صد الرياح الباردة التي تلفح جسدك الغض والذي تحتبس فيه آهة حارة تحاولين الوصول إلي قبل أن تخترقها نسمات الخريف الباردة التي أسدلت الستارة على نسمات الصيف ولياليه المقمرة حيث ملاذ العاشقين الآمن ومستودع أسرارهم فيرسلون رسائل الشوق الصامتة المتناغمة مع آهات الحنين وأمنيات الوصال ونجوى الأحلام .
كنت أنظر إليك متلهفا للقاء أحاول أن أصدق ما تراه عيناي وأنت تسارعين خطاك المتعثرة هربا من الأمطار التي بدأت تهطل بغزارة ،التي كانت تصر على أعاقتك عن المسير وكانت عيناك تنظران عبر المسافات تنادياني بلهفة الحنين المتشوق إلى اللقاء تحركه جذوة الجوى الملتهبة تشع من سويداء الوتين المضطرب الذي يخفق لوعة وأملا في الوصول ليهدأ في أحضان الحبيب وينعم بدفء العناق .
وبلا وعي خرجت من غرفتي مهرولا نحوك غير آبه لأي شيء في طريقي فلم تعد تعني لي المسافات شيئا ولا صدامي بأغصان الأشجار المتدلية حتى الأمطار أحسستها كعطر تنثره ابتسامتك وأنت تنتظرين وصولي إليك بعيون ترسل شعاعا سرمديا تنير فيه كل الدروب المظلمة لم أعد أرى في الطريق سواك طامعا في الوصول إليك تسارعت خطواتنا على نغمات القلوب المتسارعة النبضات ونظرات الشوق المتلهفة وأنفاسنا المتلاحقة والتي تكاد أن تخرج كسهام كيوبيد .
ها نحن نقترب ، تتقلص المسافات فلم تعد تبعدنا الخطوات ، ها نحن نلتقي هذه عباءتي فتحتها لأحتويك فيها وأحميك من المطر والبرد الذي اقتحم جسدك الغض فالتحفتها واحتضنتك داخلها وألقيت رأسك إلى صدري فالتحمنا معا واحتوتني يداك المرتجفتان بردا وفرحا لتتعانق أنفاسنا فتعطرت أنفاسي وانتشت من عطر أنفاسك الندية التي أخذت تتغلغل داخلها برائحة كرائحة أزهار الياسمين التي اغتسلت بطل الصباح .
ومن لهفة الشوق نسينا أنفسنا في عناق حميم حلقنا فيه في عالم آخر ليس فيه سوى الربيع الدائم والقمر يعانق الشمس تحت خمائل الياسمين الندية بطل محبب يغذي قلوب المحبين وغفونا في عناق الشوق الخالد ونحن نتبلل بزخات المطر المنهمرة بغزارة لنغتسل فيه بطهر ماء السماء فكانت دافئة كدفء عينيك لتنسيني برودة الجو الماطر ولأعيش أجمل لحظات العشق في حلم من الأحلام الوردية .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق