لقد ارتبطت الأريكة بالحياة البسيطة لعجوزين يجلسان عليها بصمت ،وسط حديقة تَكْسُرُ زقزقاتُ العصافيرٍ وأصواتُ الفخاتي حُجُبَ صمتها ليعيش الاثنان أوقاتًا مريحة هادئة، ثم يرجعان للبيت بهدوء وسكينة. ويحين اليوم الذي تموت فيه الزوجة ليبقى الزوج في وحدة قاسية محاولا التخفيف من حدتها بالجلوس ساعات طويلة مع خيال زوجته وكأن الموت لم يختطفها منه. وتأتي المفاجأة عندما اختفت الأريكة حيث اقتُلِعَتْ من مكانها بقوة. ويتعمق الأستغراب عندما يراها قرب قبر زوجته حيث يسأل الزوج الدفان عن الذي اقتلعها ووضعها جانب القبر تمامًا. وكانت الإجابة " للمرّة الأربعين ، أُأمرُ غلماني بحمل الأريكة ووضْعْها في غرفة مكتبي ..نعودُ في صباح اليوم التالي لنجدها في المكان نفسه قرب القبر ..ماحكاية الأريكة من فضلك ؟!".
إن تكرار جلوسهما على الأريكة ولحظات الصمت أعطت فسحة من التأمل والغور نحو الأعماق وهما بهذا العمر حيث يغادر الأبناء ويبقى الزوجان يحاكي كل واحد منهما الاخر.. ياترى... لو غادرتُ الحياةَ ما مصير زوجتي في وحدتها وهل ستتحمل النكبةَ وهي بهذه الوحدة؟
مشاعرٌ يَمُرُ بها كل زوجينٍ خاصة في المراحل الأخيرة من عمرهما عندما تكون المحبة النقية ونكران الذات قد بلغا مداهما طيلة حياتهما. ألزوجُ لا شيء يشغله سوى التفكير بنصفه الاخر الذي سيطر على وجوده تماماً وباتت الأريكةُ متنفسًا قويًا يمنحه دعما نفسيًا psychological support يزوده بطاقة عصبية قد تعينه على الصبر ومقاومة الوحدة. لقد وصل الحب بينهما أقصى درجاته، وعندما تكون بجانبه على الأريكة، فهي بأعماقه روحيًا فقد بلغت حالة تقمص الاخر empathy أعمق مستوياتها وباتت حياتهما المادية منعكسةً روحيًا ومسيطرة على مشاعرهما. وعليه، فقد حاول القاص عادل المعموري بما يتصف به من ذكاء لافت وحس وجداني، أن يكسبَ الأريكةَ بعدًا إنسانيًا ضمن عملية أنسنةٍ لافتة unique personification ليجعلنا نتساءل ونقول: عندما عجزت الأريكة التي عايشت اللحظات الوجدانية بين الزوجين على تحمل فراق إنسانة تركتها رغمًا عنها، فكيف يتحمل زوجها الذي عايشها كل هذه الفترة الطويلة؟ أجل قد يشعر الطير والشجر وحتى الحجر بلحظات الحب النقي والعاطفة السامية ونكران الذات بين الحبيبين. لقد أراد القاص والروائي عادل المعوري تحفيز بذور النقاء في العلاقات الإنسانية حيث الإمتزاج والذوبان الروحي الذي قد يولِّد حالة تخاطر فكري telepathy بين الإثنين، وما استغراب الزوج والدفان من إصرار الأريكة على البقاء قرب قبر الزوجة إلا محاولة لجعلنا نغور في إعماقنا، علنا نصل ولو لجزء من تلك المشاعر التي أنسنها القاص بعمق لتكون رمزًا للعطاء والوفاء. ياترى هل تنهضُ الزوجةَ مغادرة بيتَها الأبدي لتجلسَ عليها وتسامرَها لتشعرها بمعاناتها ومعاناة فراقها لمن بقي في وحدته منتظرًا يوم اللقاء الأبدي؟ تساؤلٌ لابد أن نجاوبَ عليه، ولكن.. بعد الغور في أعماقنا، الآن أو غدًا.. وربما في لحظاتنا الأخيرةِ ونحن نودعُ عالمَ الفناءٍ إلى عالمِ البقاء.....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق