* * ...على مر الزمان،يظل شهر رمضان المعظم سيد الشهور في ضمائر المسلمين ،لما فيه من إيمانيات ونزعات قدسية تفرض وجودها قي حياة كل فرد ..... فكيف كانت بلدتنا القنطرة تستقبل الشهر الكريم ؟ في بدايات القرن الماضي ،لم تكن البلد شيئا مذكورا ...حتى شاء الله تعالى إيجادها على خارطة الوجود المجتمعي ،وصارت بلدا لها مقدراتها وأقدارها ... لا شك أن الأمور الحياتية والمعيشية كانت متواضعة للغاية ..فلا تعليم ولا إعلام ،وكل الأمور تمضي عشوائية وبالفطرة والاجتهاد .... يمكننا أن نقول كما أخبرنا من سيقونا في التواجد على أرض القنطرة ،أن طفرة ،أو انفراجة بدأت مع أربعينيات القرن الماضي .....وساعد فيها بشكل مؤثر وجود هيئة السكك الحديدية ،وهيئة قناة السويس ...وظهور المذياع(الراديو) الذي كان يعمل بالبتارية ....ووصول الصحف مع قطار الصباح من بورسعيد مع الموظفين القادمين لأعمالهم في القنطرة(غربا وشرقا) ... كان الناس يستعدون لاستقبال رمضان ،من منتصف شعبان ....فكبف كان هذا ؟
..في الواقع شهر رمضان يتوغل داخل كل الطوائف ، الصغار والكبار على حد سواء ، الكل يستعد له بطريقته الخاصة ....
..في اليوم الأخير من شعبان ، يلتف الناس حول أجهزة الراديو في بعض المقاهي التي بها جهاز الراديو ،وأيضا في بعض البيوت القليلة جدا ..ليستمعوا خبر ظهور هلال الشهر الكريم ،وما أن يعلنه الراديو ،حتى تبدأ عبائر رمضان تطوي ضمائر الناس ،وتنطلق التهاني والتبريكات (كل سنة وانت طيب) ...وتبدأ طقوس الروحانيات ،في هرولة الناس إلى المسجد لصلاة التراويح ، بعد صلاة العشاء في جماعة خاشعة بذكر الخالق الأعظم ...وتبدأ تلاوة القرآن بصوت الإمام ، ويردد المصلون (آمين) فتمزق أوصال الشيطان ...
وتنتهي صلاة التراويح ، فيهرع الناس لشراء وجبات السحور ، وإرسالها لبيوتهم ليعودوا للتسامر حول الرمضانيات...
...المسحراتي ، سمة بارزة في الشهر الكريم ...كان يجوب بيوت الحارة المختص بإيقاظ أهلها لتناول السحور (كان لكل حارة مسحراتي خاص بها) ...وكانت تلازمه طبلة يدق عليها ،مرددا عبارات وأدعية دينية تناسب الشهر العظيم ....وفي صباح العيد كان يأتي المسحراتي للمرور على بيوت الحارة ليحصل على العيدية ، وغالبا ما تكون من مخبوزات أهل البيت (الكعك والبسكوت وغير ذلك) ...
- من مظاهر رمضان الأساسية ، قيام البعض بتجهيز أفران ببناء متواضع بالطين ، وفوقه صينية معدنية ،لتسوية الكنافة ، المصنوعة من عجين الدقيق الفاخر ، بطريقة تدعو للإعجاب ....وأيضا صنع القطائف لبيعها للراغبين ....
- العرقسوس ..والخروب ..والتمرهندي ..وقمر الدين ...يزداد الرواج لها في هذا الشهر الكريم ....
- من المظاهر الرمضانية أيضا ..إغلاق المقاهي والمطاعم في نهار رمضان ...وفتح المطاعم بعد العصر لبيع الوجبات الشعبية لإفطار الصائمين ...بينما تفتح المقاهي أبوابها من بعد المغرب لاستقبال روادها ،.
- كانت الإذاعة المصرية تقدم ضمن برامجها الترفيهية برنامجا أصبح من التراث الإذاعي في شهر رمضان ، حيث كان الناس بعد الإفطار يلتفون حول أجهزة الراديو لمتابعة حلقات (ألف ليلة وليلة) ..لما فيها من متعة تأخذ بالألباب ......
- الصغار والفتيان كانت لهم أيضا طقوسهم في رمضان ...حيث كان الأولاد في الحارات ،يتفننون في صنع مدفع رمضان ..فكانوا يأتون بفوارغ المقذوفات ، ويسيحون الرصاص ،ويصبونه في الفوارغ ، وييجعلون له فتحة بواسطة مسمار (5سم) ويضعون في الفتحة رءوس أعواد الكبريت ...ثم يضعون المسمار في الفتحة ....وعندما يرفع المؤذن الأذان ..يدق الأطفال على رأس المسمار بحجر ، فيحث دويا عاليا ...وكثيرا ما أصاب الأولاد أذى من جراء هذا العمل ....وكانوا أيضا يستخدمون البمب والحبش ....المهم أنهم كانوا يسعدون .
وبعد الإفطار كان يخرج أولاد الحارة في جماعة ليدوروا حول بيوتها وهم يمسكون الفوانيس الصغيرة مرددين (حالو ياحالو ...و وحوي ياوحوي) ..فيعطيهم أهل البيت مما عندهم من حلوى رمضان ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق