يعد بدر شاكر عبد الجبار السياب واحد من أعظم الشعراء في الأدب العربي و قد ساعدت تجاربه على تغيير مسار الأدب الحديث
وكان فتى غض نحيف فيه صفرة له فم كبير وأذانان كبيرتان وانف طويل بارز في وجه النحيل كان آنذاك نموذجاً للريفي العربي
يفد لأول مرة الى المدينة الكبيرة التي بدأت مرحلة جديدة في تاريخها – كان خجولاً هادئاً متحفظاً متجنباً الاحتكاك بأحد
ولم يكن أحد يدري أن هذا الفتى الرقيق الهادئ المتحفظ سيكون نهباً لأقسى آلام التوزع والتشتت
وصريعاً لأعتى أزمة ضميرعاناها شاعر عربي معاصر.
طورلديه الفكر السياسي فأعلن انضمامه للحزب الشيوعي في منتصف الأربعينات من القرن العشرين
كان للسيدة نازك الملائكة دور كبير في مساعدته علي إطلاق الحركة العربية الحرة حتي أصبحوا من الرواد المؤسسين لها .
قبل إطلاقه لتلك الحركة الحرة كانت الآية العربية يتم كتابتها وفقا لنموذج واحد وهو النموذج التقليدى ,
قد أعطت تلك الحركة للآداب العربية طريقة جديدة للتعبير والجدير بالذكر أن قصائده في تلك الفترة قد عكست
إلي حد كبير إهتمامه بدفع أمته نحو التطور, والحداثة .
نشأته وتعليمه
ولد عام 1926 في قرية جيكوربالعراق وعند بلوغه السادسة من عمره ، توفيت والدته أثناء ولادة طفلها الرابع.
و يستشهد البعض بهذا الحدث باعتباره له تأثيرًا كبيرًا على أشعاره التي امتزج فيها شعور القسوة ,
والحنين مما ترك تأثيرا كبيرا علي جميع مراحل حياته
بعد وفاة والدته انتقل للعيش مع جده وجدته, وفي ذلك الوقت بدأ الدراسة بإحدي المدارس المجاورة لجايكور,
وخلال سنوات دراسته الأولي عاني كثيرا من الاختلافات الطبقية و يمكن اعتبار هذه الفترة المبكرة من حياته
مصدر إلهام للكثير من شعره “الماركسي”
التحق السياب بالمدرسة الثانوية عام 1938 حيث تركز معظم شعره المبكرعلي الشعر العربي التقليدى ،
لكنه لم يري النور ولم ينشرعلي الجمهور إلا بعد وفاته
مسيرته وبداياته الفكرية و أشعاره
بدأ الشاعر العراقى في نشر أول قصائده بعد تخرجه من الكلية حيث نشر له كتاب قصائد يحمل إسم زهور ذابلة فضلا عن عمله كمدرس للغة الإنجليزية بالمدرسة الثانوية .
سجن وتم منعه من التدريس لمدة عشر سنوات بسبب تبنيه للأفكار الشيوعيه ,
وخلال تلك الفترة تقلد العديد من الوظائف حيث عمل صحفيا حرا , موظف في وزارة الواردات ,
ومتذوقا للتمورلإختبار جودتها فضلا عن إنتاجه عدد
لابأ س به من الشعر .
في عام 1958 كتب مجموعة أشعار تحت عنوان ( نبي ثورة 14 يوليو 1958 ) حيث كان لشعره تأثير كبير علي شعبه ,
وأثناء تلك الفترة قام بكتابة قصته الشهيرة ( أنشودة المطر ) والتي ترجمت ونشرت علي نطاق واسع
ثم عاد مرة أخري لدراسة اللغة الإنجليزية
لكنه خسر وظيفته نتيجة لآرائه السياسية ( كان من المفترض أن يفقد وظيفته في الصدع الشيوعي القومي
الذي انحاز للفصيل الآخر وكان يتعرض للإضطهاد من قبل رفقائه )
ثم بدأ العمل كمترجم رغبة في الحصول علي قليل من المال وفي بداية عام 1960 قام بنشر كتابه الثالث في الشعر.
لكن أنهكه المرض مما دفعه للإنتقال إلي البصرة ليحيا بقية حياته بهدوء
ففي الذكرى السنوية لرحيل أحد أعمدة الشعر العربي والعراقي المعاصر ((بدر شاكر السياب)) عام 1964رحمه الله
في أحدِ أيام شهر ابرايل من عام 1943وقف قطار البصرة القادم من الجنوب العراقي في محطة علاوي الحلة في بغداد الكرخ
كان الهابطين من الفلاحين الحفاة والعسكرين ومن الباعة المتجولين ونساء محجبات وصغار الحرفين ومرضى من عربات الدرجة الثالثة
هبط فتى نحيل الجسم لم يكن أحد في انتظاره انهى دراسته الإعدادية
وجاء لبغداد ليلتحق بكلية دار المعلمين العالية ((كلية التربية لاحقاً))
كان فتى غض نحيف فيه صفرة له فم كبير وأذانان كبيرتان وانف طويل بارز في وجه النحيل كان آنذاك نموذجاً للريفي العربي
يفد لأول مرة الى المدينة الكبيرة التي بدأت مرحلة جديدة في تاريخها – كان خجولاً هادئاً متحفظاً متجنباً الاحتكاك بأحد
ولم يكن أحد يدري أن هذا الفتى الرقيق الهادئ المتحفظ سيكون
نهباً لأقسى آلام التوزع والتشتت وصريعاً لأعتى أزمة ضمير عاناها شاعر عربي معاصر.
قصائده الشعرية
كانت أمه قد توفيت ويقول فيها ؟
((فقدت أمي وما زلت طفلاً صغيراً فنشأتُ محروماً من عطف المرأة وحنانها.))
ثم يكمل في مكان اخر فيكتب بعد زواج أبيه من امرأة ثانية ؟
أبي منه جردتني النساء وأمي طواها الردى المعجل
ولسنا نشك أن تلك الفتاة القروية الجاهلة ((وفيقه)) التي كانت أول امرأة
عرفها السياب في حياته لم تكن تمتلك ما يتمناه شاعرنا بدر شاكر
في حبيبته المنشودة . وعليه نستطيع ان نفترض انها علاقة حبيبة عابرة لا تتجاوز اللقاءات الخاطفة الحذرة التي لا تشبع ظمأ الشاعر اللاهب الى امرأة تغدق عليه من عطفها وحنانها ما يعوضه عن حرمان الأم .
لقد تظافر هذا اليتم المبكر مع مواضعات البيئة المستقرة على الردع والكبح المتخوفة من الحب . لم يكن امام شاعرنا المرحوم
غير سبيلين
أولها القناعة بالغزل العذري العف
والثاني سبيل الفجور يقضي به حاجة بدنية ملحة
والثاني كان رمزاً لأبشع ألوان الذل والتخلف وبؤرة تتجمع فيه أحط قذارات الواقع الكريه حيق يقول شاعرنا
ما للغرام العف ما للفجور
لا يرضيان الشاعر المستهام
كان السياب عجينة طرية يمكن توجيهها وفق المؤثرات الخارجية وحين بدأ جيل السياب يقرأ الشعر ويكتبه
كان شعر الرومانسية العربية ممثلاً في أغلب شعر الشابي وعلي محمود طه وإبراهيم ناجي وجماعة أبولو وشعراء المهجر
هو النموذج الأعلى الذي يطمع به شباب ذلك الجيل أن يحاكيه
وانما كان تعبيراً أصيلاً عن أحزان الفرد العربي في مرحلة التفكك والانهيار الشامل وخيبة الآمل
حينها السياب لم يكن أنذاك يعي حقيقة التركيب الاجتماعي بدليل أنه يعلل فشل الحب بظل القدر أو الزمن القاسي!!
نستطيع الجزم أن السياب كان تلميذاً مخلصاً للرومانسيين حتى في حالة انتهاء الحب بالفشل وعليه حدثت نقلة وتمت في شعر السياب
من الاكتئاب الرومانسي الى الثورة السياسة وليس محض صدفة أنه أسهم في شعر الوثبة سنة 1948 بعد سنة من اشتغالهُ مدرساً
في محافظة الرمادي كان له خلالها اتصال وثيق بشاعرة كان السياب يكثر من التردد على بغداد لرؤيتها
ولكن بعض العقبات حالت بينهما ولو عدنا لقصيدته (( السائلة السوداء ))
لوجدنا أنه لم يرى في هذه السائلة الا أنها تشابهه بعد أن فقد أماله التي كان يظن أن بأمكانه
تحقيقها في ظل التكيف مع الواقع القائم حيث يقول :
يا من رأيت بحالها حالي ورثيتها فرثيت أمالي
وهذه القصيدة أي السائلة السوداء كتبت في عام 1945
ويقول في قصيدته زنوج أمريكا التي كانت تعد أنذاك أفضل ما يمكن أن يكتب من الشعر الجماهيري
حيث كتب يقول :
ومضة النور من ثغور الجراح
أنت قبل الصباح نور الصباح
فانظري هل ترين الا حيارى
وعذارى يضربن الراح بالراح
أن الافاضة او التوسع الذي بلغ نهايته في مطولاته :
(المومس العمياء –حفار القبور- الأسلحةوالاطفال ) كانت وظيفتها نفسية عمادها الانفعال الطاغي
حيث كانت تعتبر أداة تنفيس للشاعر بعد وثبة يناير 1948قضى السياب فترة في السجن
خرج بعدها ليجد نفسه وحيداً تقاذفهُ المقاهي والفنادق حيث فصل من عمله كمدرس ولم يجد عملاً بديل له
من اجمل ابيات السياب اخترت بعض الابيات حسب ذوقي مع الاعتذار
من قصيدة حفار القبور
هكذا يردد الحفار
ما زلت أسمع بالحروب فأين أين هي الحروب
أين السنابك والقذائف والضحايا في الدروب
ومن قصيدة المومس
زور وكل الخلق زور
والكون بين افتراء
حقد سيعصف بالرجال
والاخريات النائمات هناك
في كنف الرجال
والساهرات على المهود وفي بيوت الأقربين
ستجوع عاماً أو يزيد ولا تموت ففي حشاها
حقد يؤرث من قواها
ستعيش للثأر الرهيب
والداء في دمها وفي فمنها ستنفث من رداها
في كل عرق من عروقِ رجالها شبحاً من الدمِ واللهيبِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق