هوامش على حوارية محمود درويش في قصيدته
لماذا تركت الحصان وحيدا))
شعر: فيصل سليم التلاوي
سألتك يا والدي:
هل تشيخ البيوت وتفنى؟
وهل شأنها شأن أصحابها في الغياب؟
:نعم يابُني
خبرتُ البيوتَ تشيخُ إذا افتقدت ساكنيها
وتهرمُ، تضمرُ حيطانها، تتشققُ، تَنهَدُّ
إن طال عنها غيابهمُ.
فأدركتُ أن المنازلَ كالناسِ
تذوي، تموتُ إذا طال عنها الغيابُ
وفارقها أهلها وذووها
لهذا تساءل درويش مندهشا
يا أبي لماذا تركت الحصان وحيدا)؟)
وأودعته ساحة الدار يا والدي
نعم يا بنيَّ
ليؤنس وحدتها مثلما قال
أو ليُخففَ بعضًا من الهمِّ عنها
يُطيل إن اسطاع في عمرها
قدر ما يتسنى لهُ
ولو أمدًا ناقصًا أو قليلا
نعم يا عزيزي
رأيت البيوتَ تموتُ
إذا أقفرَتْ وخلتْ وتفرَّقَ عنها بنوها
كجوريةٍ ذبُلتْ وذوَتْ وانقضى عطرها
عندما هجرتها البلابلُ
وانفضَّ من حولها كل طيرٍ بديعْ
فصارت كأن لم تكن
وكأن لم يَمُرَّ عليها ربيع
نعم يا بنيَّ
وإني لأذكر في قريتي كل بيتٍ
أعددها لك لو كنتَ تعرفُ مثليَ سكانها
أعددها لك من بعد ستين عامًا
وأسماءَ أبقارِ أصحابها
وشاراتِ أغنامهم
ونَغْمات أجراس (مُرياع)"1" كل قطيعٍ
ترن بأذني إذا ما تباهى و حرّك عِطفيهِ
ذات اليمين و ذات الشمال
فيتبعه الجمع، لا نعجة تتوانى
ولا نعجة ضيَّعت دربها
كأني أراها تقوم أماميَ هذا الصباح
بكامل هيئتها ما تداعت من الأمسِ
أو شابها غَبشُ الذكرياتِ
ولا طول عهدٍ بعيدْ
رأيت البيوتَ أماميَ
عامرةً بالحياةِ وبالأهلِ والناسِ
ثم مضوا في الدروب
التي تخطفُ العابرينَ
وتفغرُ فاها فتلقفهم
ثم ما قفلوا بعدها راجعين
رأيت بعيني منازلهم كيف شاختْ
وكيف ذَوَتْ وتَهاوتْ وماتتْ
كأنَّ المكان بساكنِهِ ليس إلا
وهل يا أبي مثلما يزعمون:
المدينةُ تسقطُ؟
أم أهلها وحدهم يسقطون تباعًا
إذا ابتعدوا عن جوانحها
ثم هاموا وضلوا الطريق؟
المدينة تَسقطُ يا ولدي
تتلاشى وتضمرُ
تهوي إلى قعر جُبٍ عميقْ
يُغيِّبُها (الثقب)"2" في جوفه
في قرارٍ سحيقْ
فدونك يافا التي التهم الحوت أشلاءها
لم تُعَقِّبْ لها تل أبيب ظلالاً
ليقطينةٍ فيفيء إليها إذا عاد يونس يومًا
وألقى به الحوت، لم يستسغ طعمَهُ فتقيأه
عندها سيكون وحيدا
يحاصره العريُ حتى من الظلِ
يسقط يا ولدي
يسقط الناس من روعِهمْ
بعد أن يتهاوى المكان
الذي كان مأوىً يظللهم
وإليه يفيئون
ماذا سيبقى لهم بعد ذلك
غير السقوطِ السقوطِ
إلى قعر هاويةٍ ما لها من قرار
(1) المُرياع: كلمة عامية تطلق على الكبش قائد القطيع
الثقب): إشارة إلى الثقب الأسود الذي يبتلع الكواكب والنجوم)
11/8/2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق