قبل أن أشدّ أربطةَ الخطى وأرتدي طاقيةَ الوقتِ المتينة التي تغطي شعاعَ الشمسِ النيساني المتحمس في تسويةِ أموره مع محاصيلِ الحقول ، تنحني السنابلُ لذلك الحديد المزمجرِ بوجهِ استحالةِ الثابتِ إلى جنسٍ من البشر ، ذكرا كان أو أنثى ، ليداعبوا خاصرةَ الغيثِ باستمالتها ألا ترقص في مقبرةِ الدهور .
لم يكنْ صوتُ عربةِ بيعِ الغاز هو السبب في فتحِ نافذةِ القيلولة التي أغلقتها وجبةٌ دسمةٌ من الغداء . قد تجذبُ انتباه الشرفة وسوسة الملاعق وسط أقداحِ الشاي المنعشة للذاكرةِ في جوٍ عصيبٍ تشوبه احتمالاتُ البقاء .
سقطت الأحاديثُ من المنضدةِ المكتظةِ بالتكهناتِ من دونِ لسان . كان من بين الساقطين ( ماذا لو ) وأكملت السؤال ماذا لو انتهى مفعول محتويات العالم ؟
رأيتُ الأجوبةَ تخرُّ على جوانبِ الاحتمالات متعمقة في الصورِ والأشباح ، تسأل الأفواهُ الزوايا المتساوية عن اللقمةِ الأخيرةِ في حلقِ الأنبياءِ وتشتكي من بؤسِ النقاء.
تظهرُ على جدارِ غرفتي جبالٌ سالت كالسيلِ الجارفِ لم يبقَ للقمةِ مجالٌ ولا للسفوحِ شفاعةٌ لقد خانتها الصخورُ وقفزات الماعز ونايات الرعاة ، فرّت من أبدانِها الأشجار واعتلت على دكتِها الأقدامُ الخاليةُ من آثارِ المسيرِ نحوَ المصير أما قشورُ اللّوزِ فباتت متاعا للقفارِ .
على اليمينِ نظرتُ إلى البحرِ ينزعُ ضفتيه وتهاوت الأشرعة من الساريات ، عاليها سافلها الذي لم يظهر منه إلا الأصدافُ وطحالبٌ شاحبةٌ تشفطُ المياه وتبصقُ بوجهِ حارسِ الفنار ، يستهوي صفيرَ النوارسِ ملتقطًا الهياكل بلا معاناةٍ بينما المحارات منشغلةٌ في ترتيبِ التجاويف وسط دويّ في الجوهرِ والمغزى أخذ الحيطة من تماسيح الجوعِ أو حتى حيتان الجور .
مما أدهشني جداً أني وجدتُ ظلّي يزاحم الرِّعاءَ حول خزائنِ المجاري وتقفُ النسوان على مقربةٍ من الحافة ، الجرارُ على الأكتافِ ويتقافزُ الرجالُ لنيلِ شمةٍ أو شهيق كالنفسِ الأخيرِ منّ سيكار قبل أن يسحقه كعبُ الحذاء ،
ما وراء الماء والنار قصصُ السّحابِ تجلت ببطولةِ الغيث الذي شطبَ من التقاويمِ الفصولَ الأربعة .
أنا لم أكنْ مشمولًا بهذا الفضاءِ كانت مهمتي أن أنقلَ عبر الأثير كلّ ما أرى وأسمع ، ضاعَ حتى الصوت ، ستكون الإشارةُ بديلاً عن اللغاتِ والأبكم سعيدٌ جدا لأنّه الفاهم بالأخبار .
لم تطبع الصحفُ الخبرَ المهم واكتفت بنشرِ الوفيات ومكان تواجد المعزين من دونِ مصاحبةِ الأطفال .
عاجل … عاجل هناك صبيةٌ مشاكسون يحملون أزهارًا ذابلةً وأصبح عطرها كالغاز ِالميتان وجدت القطارات لعبةً بيد الخرفان تسيرها فوق الأدغال ، السككُ الجاثمةُ فوق الرمالِ لقد التهمتها الغربان .
لا ملامح لحضارةِ الإنسان لا قاعات ولا منصات ولا صالات ولا ملاعب إلا شجرة توت واحدة يغطي ورقها عورةَ الإنسان ، اليوم تساوى فيه الشجاع والجبان والعاقل والمجنون .. بين ( حطة ) والقوس دنيا بكامل أهليتها تنثر هذه المرة ، المرة الأخيرة ، الكافور على جثةِ التاريخ الذي أصابه النعاس فوق دكة الصباحِ ، يبدو دور العبادة تهبُّ حيطانها إلى الرّيحِ الجائع لذا كانت صلواتي مجردَ حركات.
لا تقلق ، قال لي كاهنٌ يرتدي أسمالَ قداسته ، استمع
يا رجل لنشيد العودةِ كي تدخلُ من نوافذِها ، رأيتُ أنّ كلّ الأغاني التي أحبّها أصبحت غازاتٍ مرمية من دون عوادم ..
الظريف في الأمرِ أنّ جاذبيةَ الأرضِ انتهت طارت أوراقي وأقلامي ولم أتمكنْ الثبات ربما سألتقي بغريبةٍ تسألني عن وجهتي ولا أفهم السؤال …
الحقيقة أنا قلق جداً على مكانِ وجودي ،
منْ أنا ؟ …
أين يقع الزمان ؟...
——————
البصرة /٣٠-٣-٢٠
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق