كنتُ يومها أحمل في يدي كتاباً يضمّ بين صفحاته قصاصات ورقيّة دوّنتُ عليها أفكاراً متناثرة. كنت أجلس على مقعد خشبي في الحديقة العامّة حين سقطت بالقرب منّي ورقة صفراء من الغصن الذي تدلّى فوق رأسي.
استوقفتني لحظة السقوط لسبب ما. رحتُ أنظر إلى الورقة الصفراء بإمعان شديد؛ شكلها، لونها الباهت. تسارعت أنفاسي وسَرَتْ في أوصالي قشعريرة غريبة. انتابني إحساس كئيب لم أعرف مردّه.
أنهكتني رؤية اصفرار الأوراق وارتسمتْ على محيّاي دوائر من الأسى والشحوب. حاولتُ جاهدة أن أكظم أساي، لكن ما أصابني لم يكن بالأمر اليسير.
ماذا أفعل؟ خانتني قواي ولم أستطع النهوض والسير.
بعد قليل، ازدادت حدّة غيظي وعصفت بيّ موجة غضب. استجمعتُ قواي ومضيت، حاضنةً الكتاب والقصاصات داخله. قررتُ أن أسير في الدرب ذاتها التي جئت منها قبل قليل: لا بدّ أن شيئاً ما قد حدث.
أيّ غباء هذا؟ كان عليّ أن لا أخرج وحدي. ماذا لو اعترضوا طريقي الآن واقتادوني إلى مكان مجهول؟ مَن سيعرف بأمري؟ لكن منذ متى تنتابني هواجس كهذه؟ تسارعتْ خطاي وشيء ما يهصرني من الداخل. حاولتُ أن أفكر بصلابة الإنسان وقدرته على مواجهة أعتى الأخطار ساعة الشدّة، لكنّ مخاوفي لم تختفِ.
ثمة حركة غير طبيعية: وجوه المارّة، سيماؤهم ونظراتهم.. كلّ شيء ينمّ عن حدوث شيء ما. وقفتُ فجأة متأملةً الطريق. أصابني ارتباك شديد: كيف أستطيع اجتياز كلّ هذه العوائق؟ لا، لن تثني شويكات قليلة عزيمتي. رفعتُ هامتي وخطوت بثقة صوب البيت.
كان الشارع المؤدي إلى باب المنزل مفروشاً بأوراق صفراء تلمع في أشعة الشمس الخريفية. وكانت، كلما هبّ الهواء، ترتفع قليلاً في السماء ثم تهبط مجدداً، وكأنها تتساقط من الشمس.
كنت أدوّر المفتاح في الباب حين فُتح بعنف وانقضّ عليّ ثلاثة رجال في زيّ عسكري. لم أفهم شيئاً، إذ أن صدمة المفاجأة وارتطام رأسي بالأرض كانا أسرع من الفكر. سقط الكتاب من يدي وتناثرت منه القصاصات.
قبل أن يُغمى عليّ رأيتها، تتساقط من الشمس مع الأوراق الصفراء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق