يقودني إليك الحديث
قبل أن يطوي النهار حقائبهُ
ويطلق اليلُ من وكرهِ النجوم
يبتدأ الحديث من بصري
كلما أبصريك
أجدكَ كما أرتجي
فذا أنا
أبحث عنك فيك
مبتسماً
ترتب الوقت والكلمات
...............
تساقط الصباح ضياء
فضيٌ على الممرات
الى الطريق
وفي المتاهات دليل
في زمن بعيد، عندما كان المتنبي في أوج عطائه، اجتمع في مجلس ضمّ كبار الشعراء والأدباء، وكان المجلس غارقًا في الحديث عن المعجزات والمستحيلات التي يرويها الناس. بدأ البعض بسرد حكايات عجيبة، كأن تتحدث الأشجار أو أن تُحلق الجبال. شعر المتنبي أن الحديث بحاجة إلى قفزة نوعية تُظهر براعة الخيال الشعري، فقال:
"بعيني رأيت الذئب يحلب نملة
ويشرب منها رائبًا وحليبًا"
ضحك الحاضرون لهذا الوصف العجيب، لكنه في الوقت ذاته أثار دهشتهم. أراد المتنبي من هذا البيت أن يلفت الانتباه إلى عبثية ما يدعيه الناس أحيانًا أو يتصورونه. لكنه أيضًا أراد الإشارة إلى أنه، كما يمكن للشعر أن يصور المستحيل، فإن بعض أحوال البشر تكون أشبه بالمستحيل، خاصة إذا نظرنا إلى الفجوة بين الظاهر والباطن.
حدثني من أثق بصدقه، ولست أدري إن كان الحديث من باب الحكمة أم المزاح، فقال: إن في الزمان أشياء يشيب لها الرضيع، وتذوب لها صخور الجبال، فتضيق الصدور وتتسع الخيالات. ولم يكد ينهي كلامه حتى وجدتني غارقًا في تأملاتٍ عن حقيقة ما نراه وما نسمعه، وبينما أنا كذلك إذ قاطع تأملي قائلاً: "يا هذا، هل سمعت يومًا عن الذئب الذي يحلب النملة؟"
نظرت إليه وأنا بين مكذب ومصدق، فابتسم وقال: "أما ترى أن في الحياة من المشاهد ما هو أعجب من الخيال؟ دعني أحكي لك حكاية شهدتها بعيني ذات يوم في صحراء لا تُطاولها حدود، ولا تكسوها سوى الرمال والريح."
فقلت: "هات ما عندك."
فقال:
خرجتُ يومًا أبتغي رزقًا في أرض قاحلة، لا ظل فيها إلا ظل الحقيقة، ولا شجر فيها إلا ما ينبت في الخيال. وبينما أنا أمشي إذ رأيت ذئبًا قد جلس على ربوة عالية، يرقب بعينيه الصقر الجارح والطير الضعيف. لم أكن أصدق ما أرى، فقد كان الذئب يحمل بين يديه نملة صغيرة، كأنها قبضة تراب في يديه القويتين. وكان قد استدار بوجهه ناحية شجرة هرمة، ليس فيها من الحياة إلا جذعها المائل.
أدهشني المشهد حتى كدت أشك في بصري، فاقتربت على أطراف قدمي حتى لا أشعره بوجودي. رأيته يضع النملة على ورقة شجر جافة، ثم يُخرج شيئًا كأنما هو ضرع صغير، وراح يحلب منها قطرات بيضاء، يجمعها في حفنة كفه، ثم يشربها بتلذذ عجيب.
لم أتمالك نفسي حينها، فصرخت: "أيها الذئب! أما تخجل من ضعفها، وأنت القوي الجبار؟ أما ترى أن ما تصنعه أمر يخالف الطبيعة والمنطق؟ كيف لنملة صغيرة أن تمنحك حليبًا؟"
فرفع الذئب رأسه، ونظر إليّ نظرة من عرفني قبل أن أُخلق، وقال بصوت يقطر حكمة وسخرية:
"أيها الإنسان المغرور بفهمه، ألا ترى أن الدنيا مليئة بمشاهد كهذه؟ أما رأيت الأقوياء يشربون قوت الضعفاء؟ أما رأيت الملوك يحلبون رعيتهم فيجمعون منهم القوت، ثم يشربون عرقهم وهم صامتون؟ أما رأيت الغني يستغل الفقير ليعيش في رفاهية، ويتركه بلا قوت ولا أمل؟ إن كنت قد استنكرت حالي مع النملة، فانظر إلى نفسك وقومك، فلعل ما تفعله أنت أشد غرابة مما أفعله أنا."
ذهلت من حديثه، وسقطت الكلمات من لساني، كأنها أوراق خريف مزقتها الرياح. هممت بالرد، ولكن الذئب رفع يده وأشار إليّ بالصمت، ثم قال:
"عد إلى قريتك، وانظر حولك جيدًا. ستجد الذئاب تحلب النمل في كل زاوية، وأنت منهم."
ثم ولّى الذئب مدبرًا، والنملة لا تزال على الورقة، وقد بدت لي وكأنها تبتسم، أو ربما تبكي.
عدت إلى قريتي وقد ملأ رأسي التفكير، فرأيت بعيني ما لم أكن أراه: الأغنياء يزدادون ثراءً، والفقراء يغرقون في البؤس، والضعفاء يُستغلون بلا رحمة. عندها أدركت أن الذئب الذي يحلب النملة ليس مشهدًا من الخيال، بل هو صورة من واقع البشر، يُجسد طمع القوي في الضعيف، وسكوت الضعيف أمام جبروت القوي.
ما أراد المتنبي قوله هنا هو أن الخيال قد يتجاوز المنطق، ولكن الحقيقة أحيانًا أغرب من الخيال. كما أن السخرية يمكن أن تكون أداة أدبية قوية لإبراز التناقضات في المجتمع.
ما لِقَلْبٍ أَضَرَّهُ مَنْ كَفاهُ
بِحَنايا الحُبِّ الفَظيعِ غَواهُ
وَكَفاهُ الفِنونَ مِنْ كُلِّ حُسنٍ
وَبِظَرفِ النَّدِيمِ كانَت مَداهُ
جاءَ بالظَّرفِ وَالجَمالِ امتِزاجاً
يُدهِشُ الرَّائِي بِالحِجا ما أَراهُ
جَمَعَ الكُلَّ مَشهَداً مِنْ عَيانٍ
وَلَهُ الأَمرُ مِنْ عَظيمٍ عَداهُ
وَلَهُ ما استَّتَرَّ في شأْنِ سِترٍ
بِخَبايا الجَمالِ حُسناً كَساهُ
عَطِرٌ مِنْ غَيرِ العِطورِ ضَواعٌ
يَنشُرُ الطِّيبَ عَرفُهُ وَشَذاهُ
وَبَيانٌ قَد أَبطَلَ السِّحرَ إِلّا
لِخِطابٍ لَهُ وَما قَد رَواهُ
وَلَهُ في العَيانِ ما لَيسَ لِلْغَي
رِ بِجَمعِ الفِتونِ ممَّا حَوَاهُ
فَجَمالُ العِيونِ ما لِبحارٍ
وَلِطَرفِ الحَبيبِ بَحراً طَوَاهُ
في بُحورٍ دَليلُها مَحضُ تَيهٍ
كيفَ كانَ الرَّشَادُ فِيما هَدَاهُ
إِن يَكُن سَعيٌ في العِيونِ نِزالاً
فَسِلاحي على العِيونِ هَوَاهُ
لِتَرى الحُبِّ في البَرايا جَوازاً
لا مَغالِيقَ في الهَوى ما سَعاهُ
ما تَجوبُ العُشَّاقُ مِنْ سَعي حُبٍّ
ذلِكَ السَّعيُ مَنسَكٌ ما حَبَاهُ
كُلُّ حُبٍّ تَلا على صَفوِ وِدٍّ
كانَ عِشقُ الجَمالِ فِيما تَلاهُ
وَالَّذي يَعشِقُ الجَمالَ صَفَاءً
عَرَفَ الحُبَّ شاكِراً ما بَلاهُ
فَعَذابُ المُحِبِّ فيهِ جَمالٌ
لَذَّةٌ في العَذابِ حِينَ شَكَاهُ
وَبِقربٍ يَخافُ مِنهُ ارتِحالاً
لكِنِ الشَّوْقُ في البِعادِ كَوَاهُ
لَيسَ كُلُّ القَريبِ كانَ هَناءً
رُبَّ مُرِّ القَريبِ ما قَد جَناهُ
مِنْ صِدودٍ أَذابَ قَلباً مُعَنّى
يُستَطابُ الزُّعافُ حينَ جَفاهُ
ما حَياةٌ بِغَيرِ حُبٍّ حَقيقٍ
غيرُ مَوتِ القُلوبِ في ما أَتاهُ
إِنَّما الحُبُّ نِعمَةٌ لِنَعيمٍ
أُمُّ كلِّ الآلاءِ ما قَد رَجاهُ
تَصلُحُ الدُّنيا في حَبيبٍ وَفَنٍّ
وَأَساسُ الجَمالِ حُبٌّ بَرَاهُ
إن بعت روحكَ فأبدأ بالبكاء
أنا غاضبٌ منك
غاضبٌ عليك
يا بائع الأرواح
روحي التي كانت معي
نادِ عليها ..محمولةٌ على الأكف
كي أقضي بعض الوقت دونها
كي أمنحها فرصة التجول وحدها
أمنحها فرصة للسؤال
سأنام وحولي يحوم الخيال
كيف إنتهى بك الأمرُ هكذا
من حبلكَ السري حد المشنقة
تقبض ثمن المجييء
إجمع ضرائبك
وأشرب قهوتك
وإحضى بمتعةٍ في ملوحة الجبن
ومصاحبة النساء
هذا الصباح كان بارداً
فبادر الى من في الجوار
..................سيرحلون
وستبقى وحيداً
عدها وعداك
متشابهان في اللحظات العابرة.
عذرآ لن أجامل بعد وأتصنع كلاما
منمق بلون زائف سأمت التراضي
أنا المخدوع لي صحوة ما أجملها
سقط القناع بان حاضرك والماضي
أي عذرآ تقول قصة بانت ملامحها
كنت المقرب لقلبي تنام في ناظري
ما علمت يومآ أن المشاعر جلها
رخيصة لديك والغرام كان حديثي
سأقطب جراح الأمس لست نادما
صدمة تلقها الفؤاد وابصرتها عيوني
خذلت مندهشا من شخصك المهندما
كيف ضاع حبك واهم ظننته سرمدي
عذرآ ذهب الأحساس الجميل مغادرا
ذاك الأفق ومساحات الطيف الوردي
هيهات يجمعنا لقاء وسقف أراه يظلنا
عبثت كثيرآ أسف خدعت يا نرجسي
قصة حبك وهم وكلماتك بان خداعها
درس تعلمته ولم يكن قط مجاني
العراق/بغداد
١٤/١/٢٠٢٥
دنى فتدلى كنصف ذنب
..وشم قديم
..نصف أمس في دهشة الوجود
.بلاهة صبي صار شيخ
وشاب منه الظل
فجلجل ياشهيق الحسرات
فذا سر ملامحي طوع أضطرابك
عند حدود أشرعتي
.. ياسيد الجمال
يسبقني ذنبي الى النساء
فواظب معي أقتراف الشعر
أرى في الجرح دواء وأسمع انين طفل، أستبشر بميلاد جديد وإن طال الطلق، هل سمعت حكاية الموت ولادة؟ وفي الشهادة حياة سرمدية؟ أنا من أولئك المبتسمين حين يكبلني الألم ويعلو صراخ الجنين، أنا من تنير دربي المناجاة حتى حين تغافلني الشمس وتختفي، أرى ضوءًا لا يراه من أصاب عقله غفلة وشرود، لا تحسب الليل طويل وإن كان في حساب المنتظرين يكاد لا ينتهي ، فلهؤلاء نور خفي يبصره من يعمر قلبه بالإيمان، لا تظن أن الصباح في بداية المساء لن يعود، ويتسرب النور ويختفي في نظر الغافلين ففي قلبه سراج دعاء يلهج حين ينزف الجرح وفيه الدواء والمناعة من كل سقم.