كان المشهد مليئًا بالتناقض، لكنه بدا طبيعيًا في تلك المدينة التي تعلّمت أن تصنع الأمل من رماد الحطام. فمن كان يصدّق أن هذا الوحش المعدني الذي زأر يومًا في وجه الإنسانية، سيصبح يومًا مجرد منصة لبائع ينادي: "ملفوف طازج... وبصل أخضر!"
تبدو الصورة التي بين أيدينا وكأنها خرجت من عالم الغرائب والعجائب، ولعلّها استدعت من ذهن كاتب السطور أسلوب عيسى بن هشام الذي اشتهر بوصفه الدقيق وسرده البديع. فإن هذه المركبة الحديدية التي خُلِقت للهيبة والدمار، قد تحوّلت إلى بسطةٍ لبيع الخضروات والفواكه.
فكأنّي بعيسى بن هشام قد وقف أمامها متأملاً، ثم التفت إلى صاحبه قائلاً: "ما بال هذا العصر قد قلب المعاني والمباني؟ ترى الحديد الذي صنع للقتال قد أصبح منبراً للسلام والرزق الحلال. أيستبدلون زئير المدافع بهمهمة الأسواق؟ وهل يعقل أن تُزرع في الدبابات ثمار الأرض بدلاً من بذور النزاع؟"
فأجابه صاحبه مبتسماً: "يا عيسى، إنما هي الدنيا تأبى إلا أن تدور وتبدّل الأحوال. ألا ترى أن الحديد الذي كان ينفث النار قد بات الآن يُثمر البصل والخيار؟ سبحان الله الذي يُغير ولا يتغير!"
وهكذا، ختم عيسى بن هشام تأمله بحكمة بالغة: "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، وما أعجب الحياة حينما تُبدع تناقضاتها."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق