أبحث عن موضوع

الخميس، 12 مارس 2015

موسوعة شعراء العربية- المجلد الرابع الشعر في العصر العباسي.................... بقلم - فالح الحجية /// العراق






الشعر من اوائل الامور التي تتأثر بامور الحياة اليومية وما يكتنفها من تفاعلات واحداث وما يجري عليها ما يغير مسارها ومنهجيتها سلبا او ايجابا تبعا للاحداث و ذلك لان الشعراء هم اعلى طبقة في المجتمع البشري في احاسيسهم وانفعالاتهم النفسية والقلبية والفكرية فهي عالية سامية رقيقة لديهم تبثق مما يشعرون به من خلال تعاملهم مع الحياة ومع الاخرين والطبيعة ومع كل ما يدور بخلدهم ولما كانت الحياة في هذا العصر قد تطورت كثيرا فلا غرو ان الشعر تطور بنطورها ايضا فقد تطور تطورا واسعا تبعا لتطور الحياة ومنافذها واتجاهاتها . والشعر يدخل من كل المنافذ ويخرج باتجاهات شتى ويسمو في كل الاتجاهات وكانه شذى عطر عبق في مهب نسيم عليل . فقد اتسعت افاق واخيلة الشعراء - والشعراء اخصب الناس خيالا - أ لم يقل الله تعالى فيهم في محكم كتابه القرآن الكريم – ( وانهم في كل واد يهيمون ) – فازداد الخصب الشعري وتفتقت الاخيلة واتسعت الفنون الشعرية والاغراض المختلفة فيه في كل مدارج الحياة فظهرت اغراض وفنون جديدة لم تكن موجود ة في العصر الاموي وما قبله فنشأت هذه تبعا للتطور الفكري والحضاري فكانت هذه الشاعرية متأتية من التداخل والتزاو ج بين الثقافات العربية وغير العربية و من اجناس اقوام المجتمع العباسي حيث اختلطت فيه العربية بالفارسية والرومية والتركية وغيرها فكانت رافدا واسعا للحضارة العربية في هذا العصر وما بعده .
نعم لقد تطور الشعر بتطور الحياة وبهذا تطورت معانيه ثم تصرف الشعراء بمعاني واساليب الشعراء قبلهم وحللوها ووسعوا دائرتها وزادوا عليها او انقصوا منها تبعا لكل ظروف مجتمعهم و حاجته في تماشي حياتهم الجديدة واسلوبية المجتمع الانساني فيها فتطور التصوير الشعري وكثر الابداع فيه فوجد التشبيه وصوره المختلفة وكثرت المحسنات اللفظية ورقت المعاني ودقت واستعملت الفاظ جديدة ارق واسهل مما كانت عليه في العصور المختلفة قبله وقل تم استبدال الالفاظ البدوية والصحراوية بغيرها كما استعملت بعض الكلمات غير العربية ( الاعجمية ) في الشعر تبعا لهوى الشاعر واصله ان كان عربيا قحا او من الموالي واحسنوا استعمالاتها وصياغتها وربط الجمل العربية بها واصبحت تسمى – الفاظا معربة .
و استعمل الشعراء المحسنات البلاغية و البديعية من طباق وجناس وتشبيه واستعارات وكثرت هذه بشكل ملفت للنظر في هذا العصر وبالاجما ل فان الشعر في هذا العصر تطورا تطورا واسعا وعظيما في جميع اموره وفي شتى المجالا ت الادبية الشعرية واللغوية والفنية.
ان الشعر العربي في هذا العصر نتيجة لتطوره الواسع وافاقه المتسعة تأثر بكل التيارات والاحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية و تعكسه كل ما تراءى لها من امور هذا بالاضافة الى تطور الثقافة الشعرية .

كان من اسباب سقوط الدولة الاموية وقيام الدولة العباسية والذي له ابلغ الاثر في الناحية الثقافية والادبية ان الامويين اتبعوا سياسة التعصب للعنصر العربي الذي اعتبروه هو النسغ الصاعد او الناقل الحياة الى جسم الدولة المترامية الاطراف مما أ ّلّب عليها الفئات غير العربية التي اصبحت ضمن حدود الدولة الاسلامية المحكومة من قبلهم اضافة الى ذلك ان العرب انفسهم من اعداء الامويين من العرب مثل العباسيين ومنهم العلويين خاصة وضعوا ايديهم بأيدي هذه الفئات غير العربية وتحالفوا معها على اضعاف الهيمنة العربية على مرافق الدولة والعمل على اضعافها ومن ثم اسقاطها ومن اكبر هذه التحالفات – الفارسية العربية - حيث اخذ الفرس يشعرون بقيمة رد اعتبار سلطة الدولة الفارسية فاتخذوا من الاسلام ذريعة لذلك واخذوا يعملون على ا ضعاف العنصر العربي واتخذوا من العلويين والعباسيين شمّاعات يختلفون اليها في تعليقهم عملهم السياسي وشموعا لتنير لهم طريقهم في ذلك . وبدأت تظهر لديهم حركات سياسية سرية في بداية امرها و تحولت بمرور الزمن الى قوة عسكرية تحالفت مع من اراد الاستحواذ على هيبـة الـدولة الامـوية واسقاطـها لامـور يعرفـها الســا سـة المنصفون . وقد عرجنا على ذكرها قليلا لارتباطها بالثقافة الادبية التي شملت كل مناحي الحياة ومنها السياسة.
كما ان للمنازعات الحزبية والتعصب القبلي يد طولى في سقوط الحكم الاموي فتجمعت كل هذه الاسباب والاحوال على بغض العنصر العربي الاموي او ما سار عليه الاموييون اثناء حكمهم فتجمعت كلها بقيادة العباسيين وبمعاونة التيار الفارسي وقاموا بثورة انطلقت شرارتها من بلاد فارس لتقضي على الامويين وتسقط حكمهم ولتقوم الدولة العباسية الجديدة الفتية سنة \ 132 هجرية.

قامت الدولة العباسية في العراق اثر سقوط الدولة الاموية في الشام وكان للفرس اثر عظيم وكبير في قيام الدولة الجديدة وفي سياستها وشؤونها وقد ادى ذلك الى تدخل الفرس بسياسة الدولة وقيادتها وقد ادى ذلك الى اقتباس الكثير من النظم والعادات والتقاليد الفارسية التي حلت محل العربية واخذ الناس في تقليد الفرس في اشياء كثيرة فادى ذلك الى هيمنتهم على بعض المناطق وخاصة في بلاد فارس والثغور الشرقية للدولة الاسلامية فضعف النفوذ العربي وقل تدخلهم في شؤون الحكم والدولة التي اصبح الكثير من رجالاتها وقادتها من الفرس واصبح العربي الذي كان يأنف ان يعمل في بعض الاعمال الحرة التي كان العربي يحتقرها ولا يزاولها الا مكرها طلبا للعيش والبحث عن لقمة تسد رمقه.
و لقد ضعف النفوذ الفارسي في العراق ( دولة الخلافة العباسية ) بعد ان استتب الوضع الحكومي و نتيجة قوة الخلفاء العباسيين في الصدر الاول للخلافة العباسية كالمنصور بقتله ( ابو مسلم الخراساني ) والرشيد بنكبة ( البرامكة ) وضربهم الحركات المجوسية التي ظهرت في وقتهم والقضاء عليها – الا انها انتعشت من بعدهم بعد الرشيد وهؤلاء الخلفاء كانوا من اسباب ضعف العنصر العربي في الدولة العباسية بسب زواجهم ازواجا فارسيات وتركيات او روميات فكان اولادهم منهن يميلون كل الميل الى اخوالهم وهذا ما فعله الخليفة المأمون اذ ان امه فارسية حيث قرّب الفرس واعتمد عليهم في الحرب و القضاء على اخيه الامين ( ابن العربية ) وقتله وتسيير د فة الحكم وما فعله المعتصم من بعده و امه تركية اذ قرب الاتراك وتسيير دفة الدولة فيهم مما طمّع هؤلاء وهؤلاء في السيطرة على الحكم بحيث اصبح الخلفاء العباسيون ضعافا من بعدهم بتصرف السلاجقة والبويهيين وجعلوا هؤلاء الخلــفاء كأدوات شــطرنج يتلاعبون فيهم وفي مصائرهم كيفما يشاؤون وظهر التطرف التركي اوالنفوذ التركي بدلا عن الفارسي وظهرت سيطرة الاتراك على الوضع السياسي وربـما الاجتـماعي والثقافي ايضا وساءت حالة المواطن العربي في وطنه في هذا الدور حيث لم يبق للدولة هيبة غير الخلافة وبالاسم والرسم فقط. وكذلك الحال في العصر البويهي .
هذه وغيرها ادت الى تغيير في وجه الشعر العربي حيث ارتفع صوت الشعر السياسي ضد الامويين ونعي حكمهم المنهار كما تمثلت العصبيات القبلية بين العرب انفسهم واستعر اوارها بين قيسية ويمانية وعدنانية وقحطانية كما ظهرت حركة ( الشعوبية ) قوية جدا. وادت هذه الاحوال الى ظهور خلافات واسعة بين الهاشميين انفسهم وخاصة بين العباسيين والعلويين وصلت الى حد المقاتلة والعصيان والكراهية كما ظهرت الخلافات العقائدية والدينية المذهبية بين الطوائف والنحل المختلفة أي ان الفرقة وصلت في كل شيء نتيجة التوسع الطامي في الدولة الاسلامية وكان لكل فرقة او مذهب او عنصر او قوم او قومية ادباء وشعراء ورجال يقودونها ويحركونها سواء كانت حركات سياسية او دينية او عنصرية او قبلية او ثقافية..
ومن جاتب اخر عنى الخلفاء العباسيون في الثقافة عناية كبيرة وبذلوا المال بسخاء لتطويرها واغدقوه على الشعراء والادباء والمفكرين وذوي الالباب والعلوم والثقافة بحيث تطورت كثيرا وكانت المنافسة بين هؤلاء واسعة وشجعوا الترجمة من اللغات الاجنبية الى العربية فكانت رافدا جديدا يصب في بحر اللغة العربية فاتسعت الافاق وتبارى الرجال في السباق في ميادين العلم والثقافة والادب واللغة والدين فكان لذلك الاثر الكبير في قيام ثقافة عربية واسعة في هذا العصر ما زالت لحد الان تعد مفخرة من مفاخر الامة العربية وعصورها الذهبية .
وكانت الثقافة العربية مستقاة من مصدرين الاول الثقافة العربية التي كان عليها العرب قبل هذا العصر من الاداب الجاهلية من شعر ونثر والاسلامية التي نبعت من القران الكريم والسنة النبوية الشريفة او قل كان القران الكريم رافدا واسعا لها وحافظا ( وحارسا عليها ) وكذلك الحديث الشريف وكذلك اقوال الشعراء الامويين و الادباء والعلوم التي اخذت بالاتساع في زمنهم لتصل في نهاية الدولة الاموية الى الثقافة العربية المتميزة بعد ان نمت جذورها وعلت منابتها الا انها ازدهرت في هذا العصر وآتت ثمارها.
اما المصدر الثاني فهي الثقافة الاجنبية التي ترجمت من الامم المجاورة للعربية كالفارسية والتركية واليونانية والهندية و كانت نتيجة حتمية لانصهار هذه الاقوام في يوتقة الامة العربية و بالاسلام فآتت اكلها حيث اثرت التاثير الكبير على ا خيلة الشعراء وثقافاتهم فتوسعت افكارهم وازدادت علومهم وتفتقت قرائحهم لتاتي بقصائد ذات معان شعرية جديدة كان الاقتباس واضحا وجليا فيها. فالمتذوق للشعر العربي في هذا العصر لا تخفى عليه تلك الميزة التي تطالعه من خلال النتاج الشعري الثر وطائفة صالحة تحمل ذلك الطابع المشوب بالرقة لتؤكد هذا الاتجاه في الأسلوب الشعري
لاحظ قول بشار بن برد متغزلا :

لم يطل ليلي ولكن لم أنم
ونفى عني الكرى طيفٌ أ لم
ختم الحب لها في عنقي
موضع الخاتم من أهل الذمم
رفِهي يا (عبد) عني واعلمي
إنني يا (عبد ) من لحم ودم
إن في بردي جسمًا ناحلا
لو توكأت عليه لأ نهدم

كان العرب امة واحدة في عاداتهم وتقاليدهم وما آلفوه عن ابائهم واجدادهم فلما اختلطوا بغيرهم من الاقوام نتيجة توسع رقعة الدولة العربية الاسلامية او نتيجة الفتح الاسلامي الواسع حيث امتدت الخلافة العربية الاسلامية من الصين شرقا الى المحيط الاطلسي غربا حتى قيل ان الخليفة هارون الرشيد كان يخاطب الغيوم في السماء فيقول ( اذهبي ايتها الغيوم في السماء فأينما تكوني يأ تيني رزقك وخيرك ) وامتزجوا بهم نتيجة التعامل او التقارب في العصرين الاموي والعباسي وكان لهذا التوسع اثر عظيم في تفرق العرب لاندساس الاقوام الاخرى وعملهم الجاد في ايجاد كيانات لهم ضمن الكيان العربي و ومحولة هيمنتهم على امور الدولة وتقريبهم للفئات التي جاؤوا منها ومحاولة ابعادهم العرب عن دفة الدولة ورجالها فأدى ذلك الى قيام حركات شعوبية معادية للعنصر العربي لامة او جامعة للعناصر غير العربية وخاصة من الفرس والاتراك.
لقد تاثر العرب بالفرس كثيرا فظهر هذا التأثر بمشاركتهم اعيادهم واحتفالاتهم واقتناء العرب الجواري والغلمان الجميلات وشيوع العبث واللهو و الخلاعة والمجون والفساد واللامبالاة وكل ما لم يألفه العرب من ذي قبل وبث الافكار الالحادية المستقاة من المجوسية والوثنية فكثرت الزندقة وظهرت الشعوبية و كل امر شائن مما حدى ببعض الخلفاء العباسيين في صدر الدولة العباسية من مطاردة دعاة هذه الاعمال للحد منها كالخليفة المهدي والمنصور والرشيد وكذلك المذهبية وطغت هذه الامور على الحياة العامة حتى في دقائق امورها مثل المأكل والملبس والمسكن وفي امور الحياة الاجتماعية فوجد من تزيا بزي جديد - نصف عربي - وشيدت القصور وتوسع الناس في البناء و الانشاء وتفننوا فيها بحيث شملت كل مرافق الحياة العامة .
فقد تنوعت اساليب الحياة وطرق الكسب والمعيشة وكان لكل ذلك اثره الكبير في تطور تيار الشعر العربي بحيث ظهرت فنون شعرية جديدة لم تكن موجودة او معروفة كالغزل بالمذكر . ووصفت الحياة ومظاهر الحضارة الجديدة على حالتها التي وصلت اليها من قصور ورياض ومواسم واعياد وقد ادى ذلك الى ارتقاء الشعر درجات على في سلم الثقافة العربية.
لقد تطورت اساليب الشعر العربي في العصر العباسي كثيرا جراء اطلاع الشعراء على الثقافات الاجنبية ونمو مداركهم وزيادة معلوماتهم وتطور الحياة الحضارية في هذا العصر فقد مال الشعراء الى استخدام الاساليب السهلة المفهومة المنسوجة من واقع الحياة المعاشة وابتعدوا عن اللفظة الصعبة او البدوية التي قل استعمالها او هجرت في الاغلب واستعملوا المحسنات البديعية والالفاظ الجديدة تبعا لتطور الامور وحتى وصلت الحال في بعضهم من استخدام الفاظ اعجمية في شعره وقد نشير ان مفهوم الأسلوب يعني الطريقة او السلوكية التي يتبعها الشاعر في نظم شعره فيقال مثلا سلكت أسلوبه وتعني طريقته وكما يقال كلامه أسلوبه الافضل .
و كلمة الأسلوب التي تجري على ألسنة الشعراء والادباء والنقاد في بعض الاحيان والمراد بها التراكيب اللغوية بمعنى انفصالها عما تدل عليه من معانٍ كانت مضمرة في نفس الشاعر الاخر وهو إيهام يجعل من الأسلوب كلمات مرصوفة ذات حروف ومقاطع ربما تدل على فهم شيء للأسلوب حيث يهب الحياة والجمال أو الجمود والقبح لذلك النص او هذا .

وبالجملة هو طريقة التعبير بالألفاظ المترتبة على معرفة ترتيب المعاني في النفس في طريقة الأداء اللفظي لما ينسقه الفكر من معانٍ وينظمه العقل من أفكار ازاء الطريقة التعبيرية التي ترتبط بالمعاني اذ ان أول ما تحدث في هذا المعنى وأنه ربما يعتمد في نظريته على الاعتداد بمجموع ما يذكره في مواضيع مختلفة اذ إنه لا يتصور أن يعرف للفظ مواضع من غير أن يعرف معناه و أنما يتوخى الترتيب في الألفاظ - من حيث هي ألفاظ ترتيبًا وتنسيقا ونظمًا أي يتوخى الترتيب في المعاني ويعمل الفكر في انتقاء الالفاظ ويقتفي آثارها بحيث تترتب بخدمة المعاني وتبقى تابعة لها او لاحقة بها مع العلم بمواقع المعاني في النفس او بمواقع الألفاظ الدالة عليها في النطق و يقوي النص في الأسلوب او بمعنى اخر هو الأداء اللفظي المطابق للصورة الذهنية لمفهوم الأسلوب الناجم عن قدرة الملكة في اللسان العربي بحيث يكون ثمرة الاعتماد على الطبع والالهام والتمرس على ايجاد الكلام البليغ الذي ينسج فيه التراكيب أو القالب الذي يفرغ فيه ما يعتمل في قلبه ونفسيته من احاسيس وهنا تكمن وظيفة البلاغة والبيان .
فالأسلوب هو الصورة الذهنية للتراكيب المنظمة كلية باعتبار انطباقها على تركيب خاص وتلك الصورة ينتزعها الذهن من أعيان التراكيب وشخوصها بحيث يصيرها في الخيال كالقلب ثم ينتقي التراكيب الصحيحة على اعتبار النحو والبيان فينسقها فيه تنسيقا متراصا كما يفعله البنّاء في قالبه الخاص أو النساج في المنوال حتى يتسع ذلك بحصول التراكيب الاسمى بمقصود الكلام للحصول على الصورة الامثل والافضل والاقرب لملكة اللسان للشاعر العربي لذا فلكل فن من الفنون من الكلام أساليب تختص به وهذه الأساليب التي نحن نقررها ليست من القياس في شيء وإنما هي حالة قد ترسخ في النفس من تتبع التراكيب في الشعر العربي تجري كجريانها على اللسان كي تثبّت صوتها و صورتها المطلوبة في تقريبه إلى فهم المتلقي بشكل اسنى وافضل والتي تمثل منزلة الروح من الجسد فالخيال في الأسلوب بوسائله المستعارة وما يتصل بالمعنى اتصالا وثيقًا بطريقة مرنة من طرق التفكير حيث أنه الأداة الواضحة للتعبير فهو طريقة التعبير اللفظي الحادثة على تنسيق الفكرة والمعبرة عن أدق خفاياها ومدار جودتها أو انها طريقة التنسيق ومدى نهوضها بالمعاني المعبرة عما في دواخلها او ما تكتنفه من معان بليغة . لاحظ قول البحتري:

كأ ن الرياض الحور يكسين حولها
افانين من افواف وشي ملفق
اذا الريح هزت نورهن تضوعت
روائحه من فائر مسك مفتق
كأن القباب البيض والشمس طلعة
تضاحكها انصاف بيض مفلق

لقد صاغ الشعراء العباسيون أساليبهم في ضوء حضارة الدولة وثقافتها وطريقة تذوقها للفنون لذا جاء الأسلوب الشعري اقرب إلى الرقة في النسج والدقة في التصوير والدماثة في التعبير وشاعت في حواشيه ألوان من الزخرفة اللفظية وضروب من الزينة والجمال واكتنفت أنغامه حالة من الفخامة المؤثرة والتي قد تهز العواطف وتحرك المشاعر وتثير الاحساس . فالشعراء الاكثر تحضرا يميلون بطبعهم إلى الكياسة والزينة والانس في كل شيء فالطبع الحضري تستهويه الأناقة في كل ما حوله ويجذبه التأنق وتقربه اليها وهو ما يدلل على تطور هذه الأذواق ورقيها وهذا سبب قوي في ايجاد أسلوب شعري تركن اليه النفس لتستريح عنده في حسن صياغة أ نيقة مثل مرآة صقيلة عاكسة على صفحتها كل فنون الجمال والتنسيق الاسنى والافضل لاحظ قول بشار في ذلك :
ومخضب رخص البنا ن
بكى عليَّ وما بكيته
يا منظرًا حسنًا رأيـ ـت
بوجه جارية فديته
بعثت إليَّ تسموني
ثوب الشباب وقد طويته

ثم حالة جديدة ونقصد بها السهولة في الاسلوب ذلك الأسلوب اللين الذي يميل إلى العامية أو يؤثرها بعضهم وهذه السهولة ربما حاولها غيرهم في أساليبهم فيخفقون وينكصون عن الايتاء بمثلها وتستعصي عليهم وتمتمنع عنهم امتناعا ربما يكون عند بعضهم شديدا قد يسلمهم إلى اليأس وينتهي بهم إلى الحيرة المشوبة بكثير من الإعجاب.وهذا ما نسميه بالسهل الممتنع وقد نسج فيه كثير من الشعراء في هذا العصر منهم ابو العتاهية لاحظ قوله :
كَمْ رأينا مِنْ عَزِيزٍ
طُوِيتْ عنه الكشُوحُ
صاحَ منه بِرَحِيلٍ
صائحُ الدَّهْرِ الصَّدُوحُ
موتُ بعضِ الناسِ في
الأرْضِ على قومٍ فُتُوحُ
سيصير المرءُ يوماً
جَسَداً .. ما فيه رُوحُ

وقد ترك اغلب شعراء هذا العصر كثيرا مما كان يسير عليه الشعراء في الجاهلية كاستهلال القصيدة بالغزل . ووصلت الامور الى ان تهكم بعضهم من هذه الطريقة واعتبرها بالية و سخروا من الشعراء الذين حافظوا عليها.
يقول ابو نؤاس :

قل لمن يبكي على رسم درس
واقفا ما ضر لو كان جلس

وكذلك لاحظ دخول الشعر بعض الالفاظ والاصطلاحات العلمية واللغوية كقول الشاعر ابو تمام في الخمرة:
خرقاء تلعب بالعقول حبابها
كتلاعب الافعال بالاسماء

وكذلك كثر استعمال المحسنات الكلامية البلاغية كالبديع والطباق والجناس والتشبيه الفردي و التصويري والاستعارات المختلفة وتفنن الشعراء فيها وتزيينهم لشعرهم بها كل قدر امكاناته اللغوية وقدراته البلاغية والشعرية وقوة شاعريته يقول البحتري:
فلم ار مثلينا او مثل شاننا
نعذب ايقاظا وننعم هجّدا

وكذلك كثر استعمال الكلمات الاعجمية في الشعر فوجد فيه كلمات اعجمية مثل الديباج او الفاذولج وخاصة الفارسية فالشاعر كانه يتحدث إلى جمهور مزيج من العرب والعجم ويعيش في بيئة حضرية وهذه البيئة قد ا بتعدت بالشباب الجدد عن صلابة حياة البادية وصعوبة أنماطها في الصحراء العربية فلم تعد ملكاتهم العربية الأصيلة وقابلياتهم النفسية قادرة على التماسك ازاء هذه التغيرات فلانت انفسهم واحوالهم بالحضارة العباسية وتأثروا بالوا فد الجديد الذي حبب السهولة إلى نفوسهم وخلطها بأذواقهم.
لاحظ احدهم يمدح الخليفة الرشيد فيقول:
من يلقه من بطل مسرندي
في زعفه محكمة بالسرد
تجول بين رأسه والكرد
لما هوى بين غياض الآسد
وصار في كف الهِزَبْر الورد

وثانيهما: أن الشعراء أنفسهم كانوا -غالبًا- من هذا المزيج ولكن مواهبهم الفنية كانت تعطفهم إلى النهج العربي الصميم وثقافتهم العربية وآدابها و كانت تشد من ملكاتهم فيما يتصل بالتعبير ولهذا كانت أساليبهم في يسرها من باب السهل الممتنع بما تضمنت من رقة آسرة وعذوبة خلابة. والشعراء الذين ا د خلوا هذه الالفاظ في الاغلب اما من اصل فارسي او يميلون الى الاصول الفارسية او لهم اطلاع واسع في اللغة الفارسية كابي نؤاس وابن الرومي وابن المعتز.
يقول ابن المعتز :
قم نصطبح فليالي الوصل مقمرة
كانها باجتماع الشمل اسحار
اما ترى اربعا للهو قد جمعت
جنك وعود وقانون ومزمار
ثم ا دخلت الى اساليب الشعر الفاظ فلسفية و علمية وكل ما احاط بالشعراء من امور ثقافية ومعالم وتطور وابتذال وقوة اسلوب وجد وهزل في شعر هذا العصر والشاعر من ابدع فيها واجاد .
.لاحظ قول ابي العلاء المعري :
اذا رجع الحصيف الى حجاه
تهاون بالشرائع وازدراها
فخذ منها بما اتاك لب
ولا يغمسك جهل في صراها
وهت اديانهم من كل وجه
فهل عقل يشد به عراها

وكان من اثار تطور الحياة العامة في العصرالعباسي ان تطورت الحضارة والثقافة والسياسة وتطورت تبعا لها معاني الشعر واخصبت اخيلة الشعراء وازدحمت بشتى معالم الحياة وتفنن الشعراء في معاني الشعر فقد تصرف الشعراء اولا بمعاني شعر الاقدمين قبلهم واضفوا عليها طابعا من الحسن والطرافة ورقة حواشي الصور الشعرية والبلاغية فاستخدم الشعراء اقيسة منطقية وتعبيرات لغوية تكاد تكون جديدة فيما البسوه لها من قشابة الالوان وتباين الانواع فاحسنوا التصوير والابداع واتسعت اخيلتهم الى افاق واسعة اضافية فجاؤوا بها وتظهر هذه الابداعات في التشبيه وسعة الخيال الشعري وما اكتنفه من اضافات في محسنات اللغة من طباق وجناس و بيان اضافة الى التراكيب اللفظية والصور الجميلة وتسلسل المعاني وتلاحمها
فمن تصرف الشعراء بمعاني الاقدمين قول الشاعر سلم الخاسر:

فانت كالدهر مبثوثا حبائله
والدهر لا ملجأ منه ولا هرب
ولو ملكت عنان الريح اصرفه
في كل ناحية ما فاتك الطلب

ومن تطور واستعمال الاقيسة المنطقية قول الشاعر البحتري:
دنوت تواضعا وعلوت مجدا
فشأناك انحدار وارتفاع
كذاك الشمس تبعد ان تسامى
ويدنو الضوء منها والشعاع

ومن حسن الابداع والتصوير الشعري الحسن قول الشاعر المجدد بشار بن برد متغزلا:
\
يا قوم اذنى لبعض الحي عاشقة
والأذن تعشق قبل العين أحيانا
فقلت احسنت انت الشمس طالعة
اضرمت في القلب والاحشاء نيرانا
باتت تناولني فاهاً فألثمـــــهُ
جنيّة زُوّجت في النوم إنســانا
فاسمعيني صوتا مطربا هزجا
يزيد صبا محبا فيك اشجانا
يا ليتني كنت تفاحا مفلجة أو كن
ت من قضب الريحان ريحانا

اما علم العروض او علم اوزان الشعر وكيفية نظم الشعر والنطق به والفارق بين الشعر والنثر فنشأ بنشوء الشعر فهو روح الشعر وحركته اذا اتفق مع حسن المعاني وارتبط بافضل الاساليب او قل هو النغم او الموسيقي التي تسري في جسد الشعر العربي ومن خلال الاذن الموسيقية العربية لا نشاء الشعر او سماعه او تذوقه.
فلم يكن العربي بحاجة الى تلقي موسيقى الشعر عن طريق الدراسة او تثبيتها باوزان معينة بل كانت الاذن الموسيقية لدى العربي مرهفة صاغية حساسة الى مدى بعيد خلال العصور الجاهلي وصدر الاسلام والاموي فانشد العربي الشعر على انغام و اصوات حركة الابل وسيرها في ليل او نها ر او من خلال تهادي المرء العربي وهو راكب عليها تتهادى به قليلا قليلا او امراة تهتز فوق ظهره في هودجها او من حركة الهواء الضارب في تلك الخيام التي يسكنها وعبثه فيها ا و من شدة حركة الخيل الزاحفة للقتال , فمن كل هذه ومن غيرها وجدت الموسيقى الشعرية وتطورت فبقيت الاذن العربية عارفة انغامها في الشعر و ترابطها او بعض معايبها كطيها وخبنها وزحفاتها او اوتادها واعمدتها ورويها والقول في هذا الموضوع طويل- لاحظ مقالتي بعنوان ( النغم الايقاع )المنشورة في كتابي( في الادب والفن) وفي مدونتي على النت او موقعي فيه ( اسلام سيفلايزيشن ) .

ازدحمت الحياة وكثر اللغط وتشابكت الاصوات كلما كثرت البشرية واختلطت ببعضها فكثرت على الاذن العربية كل هذه الاصوات واختلفت نغماتها بعد تطور الحياة وازدهارها وتمازج العرب بالاعاجم وبالحياة العامة والحضارة الاممية وتشابكها والاسواق وما فيها من لغظ وضجيج فاصبح من الضروري ايجاد امر مكتوب لتفهمه وتتذوقه ويعينها او تعين الاذن في نشاته او عند سماعه فنشأ علم العروض في العصر العباسي الاول على يد الخليل بن احمد الفراهيدي البصري .
درس هذا العالم العربي الجليل كل ما قاله الشعراء ودرس الاصوات ونغماتها ومخارج الحروف من الحلق والتباين بين نغمة واخرى وقيد كل ذلك . فأوجد ان الشعر العربي قديما وحديثا لا تتعدى انغامه الخمسة عشر نغما اسماها بحورا هي بحور الشعر العربي الذي انشد فيها الشعراء العرب - ولا يزالون - قصائدهم واشعارهم .
ثم جاء من بعده تلميذه الاخفش و اجهد نفسه في الدراسة ليجد بحرا اخر ابتكره ابتكارا من خلال معرفته الواسعة في الموسيقى الشعرية اسماه (المتدارك) تدارك به اخر النغمات من حيث الوزن الشعري فاصبحت بحور الشعرالعربي ستة عشرا بحرا هي التي ينظم بها الشعراء قصائدهم واشعارهم .
الا ان هذه البحور لم تبق على حالها فقد اجتزئت ونهكت ولحقها التغيير او انشطرت فنظمت القصائد بمجزوء البحر اومشطوره ودخلت اليها بعض الامراض العروضية مثل الخبن والطي والزحاف و...
لاحظ الشاعر صريع الغواني في الغزل يقول :

يا أيها المعمود قد شفك الصدود
فأنت مستهام خالفك السهود
تبيت ساهرًا قد ودعك الهجود
وفي الفؤاد نار ليس لها خمود
تشبها النيران من الهوى وقود
إذا أقول يومًا قد أطفئت تزيد
يا عاذلي كفى فإنني معمود

وقد ألمّ الشعراء العباسيون بالأوزان التي أخرجها الخليل ونظموا في تفعيلاتها وكان افضلها واقربها واطوعها للغناء هي الأوزان القصيرة كالمجتث والقتضب ومجزؤء الكامل والهزج وغيرها من البحور المجزوءة التي تستدعي الرشاقة والعذوبة وتلائم حياة القصور والحانات والخمائل وساعات الانس والطرب وما يحبب النغم إلى النفسِ او أكثر استجابتها للغناء وطواعية للنغم الموسيقي.
لاحظ ابا نؤاس حيث يقول :

حامل الهوى تعب يستخفه الطرب
إنْ بكى يحقُ لـه ليسَ ما به لعبُ
تضحكين لاهية والمحب ينتحبُ
كلما انقضى سببٌ منكِ عاد لي سببُ .

وكذلك الاوزان الشعرية وبحور الشعر العربي ازدادت وتطورت فظهرت بحور جديدة واوزان لم تكن معروفة من ذي قبل مثل الموشح والزجل اللذان ظهرا لاؤل مرة في بلاد الاندلس ثم انتشرا في المشرق بعد ذلك ثم المواليا والمزدوج والمسمط والمربع والمخمس تبعا لتطور حالة المجتمع وحاجته للنغم والغنائية . هذا بالاضافة الى التغيير في الفاظ الشعر واساليبه . فقد افتتح الشعراء قصائدهم بالغرض الذي نظمت القصيدة من اجله في بعض الاحيان عازفين عما كان الشعراء يسيرون عليه من استهلال القصيدة بالغزل ا و البكاء على الاطلال ولو ان بعضا منهم ظل ينشد على الطريقة المالوفة.
كما تصرف بعض الشعراء بالأوزان كما ذكرت واستحدثوا أوزاناً أخرى تنسجم مع روح العصر مثل أبي العتاهية الذي كان من أشهر الذين ابتكروا في الأوزان الشعرية لما يقول من الشعر .
وقد قال ابن قتيبة فيه :

( وكان لسرعته وسهولة الشعر عليه ربما قال شعراً موزونا يخرج به عن أعاريض الشعر وأوزان العرب )
اما القوافي فهي تعتمد على الحرف الاخير من البيت الشعري وحركته وحركة الحرف الذي قبله ويسمى الروي فقديما كانت القصيدة نهاية ابياتها كائنة على وتيرة واحدة ونسق واحد وروي واحد مهما طالت القصيدة او قصرت فهي من بحر واحد وقافية واحدة ويشكل الحرف الاخير قافية القصيدة فيقال هذه قصيدة بائية اذا كانت قافيتها منتهية بحرف الباء ورائية اذا كانت قافيتها منتهية بحرف الراء وهكذا يقال ميمية ونونية و.......
اما في العصرالعباسي فقد اوجد التطور انواعا اخرى من القصيد منها المربع ومنها المخمس والمشطور ومنها ما يسمى الموشح والمواليا وهكذا الا ان الجميع كانت تحتكم الى البحور الشعرية العربية الستة عشر ولا تخرج منها الا نادرا وحسب مقتضات القصيدة والضرورة الشعرية التي اجازت للشاعر ما لم تجزه لغيره.

اما فيما يخص الفنون الشعرية واغراضها وكيفية تطورها فاقول:
مما لاشك فيه ان الأغراض الشعرية في العصر العباسي هي امتداد للأغراض الشعرية في العصور السابقة و لكنَّ هذا لا يعني عدم بروز موضوعات جديدة فقد تطورت الموضوعات التقليدية في العصر العباسي في الشعر و برزت موضوعات جديدة في هذا العصر واهمها مايلي :

واول هذه الفنون الفخر و المدح وهي اغراض شعرية معروفة
منذ العصر الجاهلي ومتداخلة بين الفخر والمدح و في العصر العباسي اشتق فن المدح لنفسه مضامين جديدة فقد برز الإلحاح في هذا العصر على المعاني الإسلامية خاصةً في مدح الخلفاء و الوزراء على نحو لم يُعهد مِنْ قبل. فالخليفة في نظر الشعراء هو إمام المسلمين و حامي حمى الإسلام و قد بالغ الشعراء في وصف مكانة الممدوح الدينية لاحظ قول أبي نؤاس في مدح الخليفة هارون الرشيد وهي حالة جديدة لم يسبق لها مثيل :

لقـد اتقيتَ الله حقَّ تُقـاتـه
و جَهَدْتَ نفسك فوق جُهدِ المُتقي
وَ أَخفْتَ أهلَ الشِرك حتى أَنَّه
لَتخَافكَ النُطف التي لَمْ تُخلقِ

كمَا قام الشعراء بتصوير الأحداث و الفتن و الحروب في قصائد المدح والفخر و بذلك أصحبت قصائد المدح وثائق تاريخية تُصوَّر البطولات العربية. وافضل ما قيل بهذا المعنى قصيدة أبي تمام في فتح مدينة عمورية:
السيف أصدق إنباءً من الكتب
في حدَّهِ الحَدُّ بينَ الجد و اللعبٍ

وبروز حالات التجديد في هذا الفن مثل مدح المدن و التعصب لها و الإفاضة في تعداد محاسنها و أشهر المدن التي مُدحت الكوفة و البصرة و بغداد باعتبار هذه المدن مراكز رئيسية للحياة الفكرية و الاجتماعية و الاقتصادية في العالم الاسلامي او الدولة العربية . لاحظ قول عمارة بن عقيل في مدح بغداد:
أعاينت في طول من الأرض أو
عرض كبغداد داراً إنها جنة الأرضِ
صفا العيش في بغداد واخضر عوده
وعيش سواها غير صاف ولا غض
تطول بها الأعمار إن غذاءها مريء
وبعض الأرض أمرؤ من بعض

والغزل من الفنون المعروفة منذ القدم في العصر الجاهلي و قد تميز فيه عدة اتجاهات الاول التغزل بالمرأة وفيه اتجاهين الغزل الحسي الجسدي والثاني الغزل العفيف - لاحظ كتابي ( الغزل في الشعرالعربي ) و قد أدَّ ت طبيعة الحياة في العصر العباسي إلى ازدهار فن الغزل فبرزت فيه أنواع من الغزل كالغزل القصصي و هو امتداد لما كان معروفًا في العصور السابقة وكذلك الغزل الحسي او الجسدي و لكنه صار أكثر مجونًا وخلاعة و تعابثًا. و للزندقة والشعوبية دور كبير في شيوع هذا الغزل وانتشاره و تعدد الملاهي وذيوع الآراء والافكار الإباحية التي نشرها الموالي .
لاحظ قول حماد عجرد في الغزل :

أني لأهوى (جوهراً) ويحب قلبي قلبها
وأحب من حبّي لها من ودَّها وأحبها
وأحب جارية لها تخفي وتكتم ذنبها

ومن الغزل العفيف وهو امتداد للغزل العذري في العصرالاموي قول العباس بن الاحنف يتغزل في حبيبته :
ألم تعلمي يا فوز أني معـــــــــــــذب ُ
بحبكم , والحين للمرء يجلــــــــــــــــب ُ
وقد كنت أبكيكم بيثرب مـــــــــــــــــرة ً
وكانت منى نفسي من الأرض ِ يثـــرب ُ
أُؤملكم حتى إذا ما رجعتمـــــــــــــــــــوا
أتاني صدود ٌ منكم ُ وتجنــــــــــــــــــب ُ
فان ساءكم ما بي من الصبر , فارحموا
وان سرّكم هذا العذاب , فعذّبــــــــــــوا
فأصبحت ُ فيما كان بيني وبينكـــــــــــم
أحدّث عنكم من لقيت ُ فيعجـــــــــــــب

ولون جديد او اخر ظهرَ في الشعر العباسي هو الغزل بالغلمان أو الغزل بالمذكر. على ايدي نخبة من الشعراء المجان مثل والبة بن الحباب وابي نؤاس والحسين بن الضحاك وغيرهم .
يقول والبة بن الحباب في غلام متغزلا به :

ﻗﻠﺕ ﻟﺴﺎﻗﻴﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺨﻠﻭﺓ
ﺃﺩﻥ ﻜﺫﺍ ﺭﺃﺴﻙ ﻤﻥ ﺭﺃﺴﻲ
ﻭﻨﻡ ﻋﻠﻰ ﻭﺠﻬﻙ ﻟﻲ ﺴﺎﻋﺔ
ﺇﻨﻲ ﺍﻤﺭﺅ ﺃﻨﻜﺢ ﺠﻼسي

وهناك نوع اخر من الغزل هو الغزل الصوفي وهو نوع جديد
وقد تطرّق الصوفيون إلى الحب فجعلوا منه النور الذي يُستضاء به والسر الذي يتكئ عليه والمشعل الذي يسير الصوفي على هداه ليؤكدوا قاعدة اساسية هي ( أن الحب هو طريق الوصول إلى الله ) وهذا يعني أن غاية الحب القصوى هي الاتصال بالله مما يمهد الطريق للمعارف والإشراقات والفتوحات وتلازم الأقوال والأفعال مع بعضها ليكون الحب الإلهي قمة السلوك البشري الرفيع كالتوبة والإنابة والورع والزهد ، والتوكل والرضى .. وما إلى ذلك مما يدعو إلى التحرر من صرخة الجسد وطغيان الرغبات الحسية بالترفع إلى المعاني الراقية والمراتب الذوقية التي تنأى في كل الأحوال عن شؤون المعرفة العقلية حيث الذوقُ والكشفُ وميلُ القلب إلى الله وليس لسواه ، فيطيب عيشه فالحب الصوفي فناء مطلق يجعل من الحب والمحبوب كُلاً موحِّداً – لاحظ كتابي ( شرح ديوان الشيخ عبد القادرالكيلاني وشئ في تصوفه ) الجزء الاول الصفحات \ 93-104 .

فالحب الروحي المثالي المجرد عن رغبة الجسد ونزوة الغريزة ، يجعل من صاحبه في حالة اندماج و التصاق حقيقي بالمحبوب فتتألق النزعة الوجدانية الصافية في شعر الحب الصوفي .
ولاحظ قول السهروردي :

لمعت نارهم وقد عسـعس
الليل وملّ الحادي وحار الدليل
فتأملتها وفكري من البيـن
علـيل ، ولحظ الغرام الدخيلُ
وفؤادي ذاك الفؤاد المعنّى
وغـرامي ذاك الغرام الدخيلُ
ثم مالوا إلى الملام فقالوا :
خُلَّبٌ مـا رأيـت أم تـخييلُ

اما في فن الوصف فالشعراء بطبيعة انفسهم ودواخلهم وصّافون وبسبب اتساع خيالهم و دقة ملاحظتهم فالشعر العربي زاخر بفن الوصف ابتداءا من العصر الجاهلي وحتى الشعرالمعاصر في هذا الوقت. اما في العصر العباسي فنظرا للتطور الحضاري و النمو الاقتصادي فقد اتسع مجال الوصف وظهرت عدة اتجاهات في الوصف اهمها الاتجاه القديم وقد امتدت يد الحضارة لهذا الاتجاه بالتهذيب والتطوير وفقا للتطور الزمني والحضاري وفيه وصف الشعراء الرحلة في الصحراء ووصف الناقة و الفرس و الليل و النجوم و وصف المعارك و الحروب ومن ثم الاتجاه اتجديدي في العصرالعباسي ويتمثل في الابتكار الجديد اذ كان نتاج التطور الحضاري و النمو الاقتصادي و شيوع الترف والاسراف , وفيه وصفوا المظاهر الحضارية كالجسور والحدائق والبساتين والرياض والحدائق والزهور والموائد والقصور والمآكل والمشارب.
لاحظ قول ابي الفرج في وصف جسر جديد شيد
على نهر دجلة:

أيا حبذا جسراً على متن دجلة
بإتقان تأسيس وحسنٍ ورونق
جمالٌ وفخر للعراق ونزهة
وسلوة من أضناه فرط التشوق

كما وصفوا القصور وما فيها من فرش وأثاث ورياش وما يحيط بها من حدائق غنّاء تتغني فيها الطيور وتلعب فيها الظباء والغزلان و وصفوا الآلات الموسيقية والنغمية والألعاب ورحلات الصيد والطرد و وصفوا الخمرة ومجالسها وأدواتها وسقاتها وغلمانها وما يتردد فيها من أصوات المغنين والمغنيات.
اما فن الهجاء فنلاحظ فيه في العصر العباسي اتجاهين الهجاء السياسي والهجاء الشخصي وقد امتاز اللونان معاً بالسخرية الشديدة والإيذاء المؤلم فالهجاء السياسي في الاغلب اتجه نحو التركيز على الإنحراف الديني و نسب الشذوذ و الزندقة للمهجوين .
و مِنْ الهجاء السياسي او الهجاء العام قول دعبل الخُزاعي في هجاء المعتصم و الواثق:

خليفةٌ ماتَ لمْ يَحزنْ لهُ أحدُ
و آخرٌ قامَ لمْ يفرح به أحدُ
فَمَرَّ هَذا وَمَرَّ الشُؤمُ يَتبَعُهُ
وَقامَ هَذا فَقامَ الشُؤمُ وَالنَكَدُ

و الهجاء الشخصي اتجه نحو السخرية ورسم الصورالهزلية المضحكة والمعيبة للمهجو. مثال ذلك :
قول ابن الرومي في الهجاء :

ولحية يحملها مـائق
مثل الشراعين إذا أشرعا
تقوده الريح بها صاغرا
قودا عنيفا يتعب الأخدعا
فإن عدا والريح في وجهه
لم ينبعث في وجهه إصبعا
لو غاص في البحر بها غوصة
صـاد بها حيتانه أجمعا

والزهد ليس ظاهرةً جديدة على العصر العباسي إنما هو من عصر الصحابة او التابعين ثمّ العصر الأموي الذي برز فيه الكثير من الشعراء في أشعارهم بوادر للزهد والتصوف مثل الحسن البصري وقطع الأسباب المتصلة بالقلوب .لذا أصبح الشعر الذي ينظم في الامور الزهدية والدينية بذاته اصبح سلاحا حادا يواجه تيار الزندقة و الإنحرافْ و المجون.
و الزهد بحد ذاته يعتبر سلوكية يهدف للابتعاد عن الدنيا وهجرها والالتزام بالعبادات والطاعات الربانية .

أما التصوف فهو نزعة روحية خالصة اساسها المجاهدة والرياضة الروحية والوصول للكشف عن الذات الالهية. وقد ظهر من الرجال المتصوفين اشتهر الشيخ معروف الكرخي والجنيد البغدادي والحلاج والقاضي الفاضل وابن الفارض والشيخ عبد القادرالكيلاني والسهروردي .
لاحظ الشيخ عبد القادرالكيلاني يقول:

مافي الصبابة منهل مستعـــــــــــذب
الا ولي فيه الالذ الاطيــــــــب
اوفي الوصال مكانة مخصوصــــــة
الا اومنزلتي اعز واقـــــــرب
وهبت لي الايام ر ونق صفوهـــــــا
فغلا مناهلها وطاب المشرب
اضحت جيوش الحب تحت مشيئتي
طوعا ومهما رمته لايغـــــرب

راجع كتابي ( الغزل في الشعر العربي ) صفحة 233- 258.
ومن النساءِ المشهوراتِ بالعبادة والصوم والاستغراق في الذات العلية الشاعرة رابعة العدوية و قد نادت بالحب الإلهي .
لاحظ قولها تناجي حبيبها الله تعالى :

أحبك حبين حب الهوى
وحبـًا لأنك أهلاً لذاكـا
فأما الذي هو حبّ الهوى
فشغلي بذكرك عمن سواكا
وأما الذي أنت أهل له
فكشفك للحجبِ حتى أراكا

و شعر الزهد الخالي من الغلو يتجلى في شعر أبي العتاهية وشعر أبي نواس الشاعر الماجن بعد توبته في شيخوخته فله أبيات في الزهد تعد من روائع الشعرالعربي وقيل انه قالها في اخريات ايامه بعد أنَ تيقظ من غفلته و تاب إلى الله.
لاحظ قوله في الزهد :

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرةً
فلقد علمت بأن عفوك أعظمُ
أدعوكَ ربِّ كما أمرتَ تضرعاً
فإذا رددت يدي فمن ذا يرحمْ
إنْ كانَ لا يرجوك إلا مُحسنٌ
فبمن يلوذ و يستجيـر المجرم
مالي إليكَ وسيلةً إلا الرجــا
و جميل ظني ثمَّ إني مسلـمُ

اما في شعرالحكمة - وكانت هذه في الجاهلية ايضا قالها كثير من شعراء الجاهلية مثل زهير بن ابي سلمى ولبيد – وقد أثرَّت حركة الترجمة الواسعة في شعر الحكمة فنجد أن بعض الشعراء في العصر العباسي استوعبوا الحكم اليونانية والفارسية و الهندية التي ترجمت للفارسية ثم نقلها ابن المقفع وغيره إلى العربية فتمثلوا بها شعراً ، وضمنوا بعضها أبياتهم مثل كتاب( كليلة ودمنة ) ذي الاصول الهندية او كتاب( الأدب الكبير) وكتاب ( الأدب الصغير) اللذين نقل فيهما ابن المقفع من تجارب الفرس وحكمهم الكثير .
لاحظ قول صالح عبد القدوس يقول :

المرء يجمع و الزمان يفـرق
ويظـل يرقع و الخطوب تمزق
ولأن يعادي عاقلا خيـر له
مـن أن يكون له صديق أحمق
فارغب بنفسك أن تصادق أحمقا
إن الصديق علي الصديق مصدق
وزن الكلام إذا نطقت فإنما
يبدي عيوب ذوي العقول المنطق

اما في الرثاء فقد أثرَّت الحضارة فيه فبعدَ أن كان الشعراء العرب ينظمونه في البحور الطويلة اصبح الشعراء في هذا العصر ينظمونه في البحور الخفيفة. وفي رثاء الخلفاء وليس جديدا على الشعر العربي رثاؤهم . لاحظ قول ابي نؤاس في رثاء الامين :
طوى الموت ما بيني وبين محمّد
وليس لما تطوي المنية ناشر
وكنت عليه أحذر الموت وحده
فلم يبق لي شئ عليه أحاذر

كما بكى شعراء هذا العصر أبنائهم ورثوهم مثلما فعل الشعراء في العصور المتقدمة قبلهم و مِنْ ذلك رثاء ابن الرومي لأ بنه محمد حين توفاه الموت اوخطفته يد المنون :
بكاؤكما يُشفي و إنْ كانَ لا يُجدي
فجودا فقد أودى نظيركما عندي
بُنيَّ الذي أهدتـهُ كفاي للثـرى
فيا عزَّة المَهديّ يا حسرةَ المُهدي
ألا قاتل الله المنايا ورميـها
من القوم حبات القلوب على عمد
توخى حمام الموت أوسط صبيتي
فللَّه كيف اختار واسطة العقد

الا ان من جديد رثاء العصر العباسي رثاء المغنين والاحبة والاصدقاء و تضمن هذا الرثاء أوصافًا لم يعرفها الرثاء العربي.
و من ذلك قول أحدهم في رثاء المغني إبراهيم الموصلي:

بكت المسمعات حزناً عليه
وبكاه الهوى وصفو الشراب
وبكت آلة المجالس حتى
رحم العود دمعة المضراب

اما الخمرة فهي فنٌ أدبيٌ ليسَ بجديدٍ على الشعر العربي وإنما هو قديم ابتدأ قبلَ الإسلامْ ومن أشهرالشعراء في العصرالجاهلي في وصفِ الخمرة الاعشى وعمرو بن كلثوم ولما جاء الإسلام أمر بتحريمها وحدّ شاربيها وصانعيها وبائعيها وحامليها . ولذا قلت معاقرتها والقول فيها واقتصر على نفرٍ قليل . وفي العصر الاموي انبعثت من جديد على ايدي عدد من الشعراء من غير المسلمين مثل الاخطل .
اما في العصر العباسي فقد شاعت الخمرة وتوسعت مجالسها وكثرت حاناتها وزاد الإقبال عليها نتيجة الترف وكثرة اللهو ومجون العصر وانفتاحه ويبدو أن الحرية وراء هذا الإقبال. وفي كل هذا قال الشعراء وانشدوا ومن اشهر من قال فيها الشاعر ابو نؤاس والشاعر غالب عبد القد وس الذي يقول فيها :

أديرا عليّ الكأس إنّي فقدتها
كما فقد المفطوم درّ المراضعِ

و قول ابي نؤاس هذه الابيات :
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء
وداوني بالتي كانت هي الداء
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها
لو مسها حجر مسته سراء
قامت بإبريقها والليل معتكر
فلاح من وجهها في البيت لألاء
فأرسلت من فم الإبريق صافية
كأنما أخذها بالعين إغفاء
رقت عن الماء حتى ما يلائمها
لطافة وجفا عن شكلها الماء

اما الفترة الزمنية التي تحدثت عن شعرائها فتشمل القرنين الثاني والثالث أي من \ 132هجرية - 746 ميلادية وحتى بداية القرن الرابع الهجري أي لسنة \400 هجرية .
فالشعراء الذين عاشوا في هذه الفترة الزمنية من الدولة العباسية هم من تحدثت عن اشهرهم في هذا المجلد على ساتبعه بمجلد اخر- باذن الله تعالى - اتحدث به عن شعراء الفترة الاخرى حتى نهاية الدولة العباسية بما فيها تلك الدويلات والامارات التي انفصلت عن جسم الدولة العباسية وتشكلت فيها حكومات محلية مستقلة او شبه مستقلة عن الحكم العباسي .
واعتذر ان اطلت قليلا فالدراسة موجزة والموضوع طويل.

امير البيـــــــــــان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق