أ.د. ابتسام مرهون الصفار
أهدى إليَّ الأستاذ الدكتور نجم عبد علي رئيس كتابه " تهافت النقد الثقافي "كتاب الدكتور عبدالله الغذامي ( النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافية العربية أنموذجا ). طبع في مركز البحوث والدراسات والنشر في كلية الكوت الجامعة .2022 .
الكتاب يستحق القراءة الدقيقة لأمرين أولهما عنايته بكتاب الغذامي الذي ترك أثرا كبيرا في الساحة النقدية،واندفاع الكثيرين إلى الاحتذاء بحذوه، وثانيهما ردود المؤلف على الغذامي ردودا علمية قائمة على استقصاء آرائه وما كتب عنها.
اتهم الغذامي الشعراء العرب بتهم كبيرة شملت القدماء والمحدثين وأشاع مصطلحات تشمل الشعر العربي وهي الرجعية والتخلف وأنهم كلهم يمتهنون الشحاذة ، ويمارسون الفحولة في كتاباتهم الشعرية، شمل هذا التنظير أبا تمام والمتنبي من القدماء ، وأدونيس ونزار قباني من المحدثين، واتهم الشعراء بأنهم السبب في خلق شخصية القائد الصمد ، وأنهم سبب تخلف الأمة .
وبدأ المؤلف د. نجم بمناقشة قضية تهافت التنظير لدى الغذامي ، وأنه في أبسط الملاحظات يخلط بين المفاهيم، فمصطلح الرجعية مصطلح إيدولوجي والحداثة مصطلح نقدي يطلقه الغذامي على الشعراء المحدثين ، فهو يخرج أبا تمام من الحداثة الشعرية ويعده شاعرا رجعيا باستخدامه الألفاظ والتعابير. وهنا يأتي المؤلف د نجم بآراء النقاد الذين تابعوا لغة أبي تمام واستخدامه بما يخالف الأوائل من حيث المجاز والدلالات.
أما تهمة الغذامي الثانية للشعراء الأوائل فهي اتهامهم جميعا بالبحث عن الفحولة وصنع الطاغية . وهنا يقف الدكتور نجم مناقشا هذين المفهومين فيتساءل :أين نضع شعر الصعاليك والخوارج والفرق الإسلامية الأخرى.
ويتابع منجز شاعر من العصر الحديث اتهمه الغذامي بإحلال فحل محل فحل وسلطة محل سلطة، وهذه القراءة يتابعها د. نجم للحكم على رأي الغذامي بأنه تعميم غير واع لمنجز أدونيس. أما تغيير أدونيس لاسمه فقد رأى الغذامي فيه تحولا إلى الفحولية الجديدة بينما صرح أدونيس سبب تغيير اسمه بأنه كان يرسل القصائد باسمه ،فلا تنشر فلما اتخذ له هذا الاسم الرمزي نشرت له الصحف والمجلات ، ويتهم المؤلف د .نجم الغذامي نفسه بخلق طاغية من نوع آخر هو النقد الثقافي .
أما اتهام الغذامي للشعراء القدماء بالشحاذة فهي تهمة مهمة ناقشها د نجم مناقشة جادة قائمة على تقصي النصوص والأخبار. فاتهام المتنبي بالشحاذة تهمة مردودة بالخبر البيّن الذي نقل عن المتنبي أنه اشترط على سيف الدولة أن ينشده الشعر وهو جالس خلافا لما كان عليه الشعراء في وجوب قيامهم حين ينشدون الشعر ، والأمر الثاني الذي اشترطه المتنبي هو عدم تقبيله الأرض بين يديه .
وهنا يتساءل الدكتور نجم تساؤلات ترد على الغذامي: بقوله وإنه لأمر عجيب أن يشترط الشحاذ على المشحوذ منه شروطا ، ويقبلها الأمير الحمداني دون أي اعتراض، فكيف يكون الشحاذ صاحب شروط على المشحوذ منه ؟ ويضيف إلى هذا أخبارا تنفي أن يكون المتنبي شحاذا منها رفضه مديح الوزير المهلبي ببغداد ، ورفضه مديح الصاحب بن عباد ، وكلاهما الفا كتبا تقلل من شأن شعر المتنبي.
وفي مصر رفض المتنبي مديح الوزير ابن حنزابة ، فحرض الأخير من يؤلف كتابا عن سرقات المتنبي , وهنا يتساءل د. نجم : هل هناك شحاذ يرفض مدح وزراء ، وكان الشعراء يتشبثون بمدح وال أو قائد عسكري؟. وينقل لنا بعد هذا د. نجم أطرف ما قرأه في اتهام الغذامي للمتنبي بأنه شحاذ عظيم قول الدكتور حسين القاصد " المتنبي شحاذ عظيم أم الغذامي منظّر فقير !"
وناقش المؤلف دعوى الغذامي باتهام الشعر العربي بخلق الطاغية ، ومآل الامة العربية الى التخلف ، فيتساءل اليس هناك أسباب سياسية وراء تخلف الأمة عبر العصور.ولماذا ننسى الأسباب السياسية والاجتماعية ونلقي التهمة على الشعراء فقط؟
يرفض الغذامي البلاغة العربية ويدعو إلى عدم تدريسها في المدارس والجامعات بحجة كونها علما مات واندرس. ناسيا أن الشعر العربي يعمد إلى فنون بلاغية يجّمل بها أشعاره ويرفعها عن المستوى الهابط والمباشر. ويعيب الغذامي النقد الأدبي؛ لأنه اهتم بالجماليات دون أن يهتم بما أسماه بالقبحيات وهنا يقف الدكتور نجم على أمهات كتب النقد التي وقفت على بعض معايب الشعراء في التعبير والمجاز والاستعارة ذاكرا شواهد كثيرة وما قيل فيها ،
ويخلص د.نجم إلى أن الغذامي تبنّى افكارًا عدائية ضد الشعر العربي قديمه وحديثه ومن البلاغة العربية والنقد القديم ،كل ذلك من أجل نظرية أخذها من النقد الأوربي لم تثبت صحتها عندهم . ومناقشات الدكتور نجم وجمعه ما كتب عن الغذامي تمثل جرأة نقدية وقفت عند ناقد حداثي له رواده ومقلدوه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق