كتارا 2019-2020
الجزء 26
تناول بيتر صحيفة علمية حديثة الإصدار تتكلم عن مصادم FCC-1 بسيرن ليتابع أخبار ابن فطين.
وأثناء تناوله لمعطيّات الأخبار قام بعمليات بحث بسيطة على الحاسوب ليعلم حجم الانجازات العلميّة التى وصل إليها الفتى ،، فوجد الانجازات قد بلغتْ عنان السماء وهى الآن على أبوابها تريد أن تطرق وتخترق كل الحُجب والأستار.
فأعجبه ذلك كثيرًا ، فهاتف مؤيد .
-رد مؤيد .. الو الو.
-الو ...هل تتابع يا ولدى أخبار ابن فطين ؟ هذا كلام بيتر.
-لا .. كل ما أعرفه قلته لك مِن قبل ،، أنا مهموم بملف الحصار.
-من أجل هذا الحصار اتصلتُ بك .. اذهبْ إليه يا ولدى ،، اسمعْ لنصيحتى واذهبْ إليه .. رحم الله فطين يا ولدى قد كان على حقٍّ ،قد كان بعيد النظر جدًا وذو فراسة منقطعة النظير ،، اذهبْ إليه يا ولدى .. اذهبْ.
-وأطال الله عمرك يا أبتِ ، سأذهب إليه.
-يحدث بيتر نفسه بأنّ غداً لن يأتى عليه ،، ثم عاود وكرّر طلبه لمؤيد .. عدنى أن تذهب إليه ..
-أعدك أبتِ .
-أتعلم أين تجده بالضبط ؟
-أين أبتِ.
-إما عند موضع قذف البروتونات أو عند الكواشف.
-سأبحث عنه فى المكانين وساجده أن شاء الله.
وأُغلق الخطَّ ، ثمّ أرسل إلى عبد الشهيد قائد النفق فأتاه ، فلمّا أتاه اصطحبه إلى مكان فى النفق وقال له يا عبد الشهيد إدفننى هنا ، فردّ عليه عبد الشهيد أطال الله عمرك يا جدّى.
ثم عاد متكأ على عبد الشهيد حتى أوصله إلى حجرته ثمّ قال له...
يا عبد الشهيد دعنى اختلى بربّي ساعة أؤدى فيها صلاتى ولا يدخل علىّ أحد.
وفى خلوته فكّر كيف أتى هنا ، وما هداه تفكيره إلى ذلك إلّا أنّه شعر أنّ منتهاه هنا والآن .
ورجع بذاكرته إلى الماضى ، وبالتحديد لحظة هروبه مِن فندق هيلتون طابا حتى وصوله إلى حيث يريد أن يدفن ، يدفن الآن .
وتناول ورقة وقلم ليقصَّ قصة التحاقه بنفق الوادى الجديد لمَن سيأتى بعده ..كتبَ..
خرجتُ مِن الفندق متفجعًا خائفًا فقد هالنى منظر صديق عمرى وهو يموت مسموماً ، واعلم أنّ فرصة نجاته مستحيلة، فقد مات بمادة البوتولينوم شديدة السمّية ،فخرجتُ وخشيتُ على نفسي ، وليت هاربًا .
ركبتُ سيارتى أعدو بها إلى حيث لا أدرى ، المهم أن أضمن ألّا يقتفى أثرى أحد ، فقادتنى السيّارة إلى أحد الفيافى الفسيحة ، فاقتعدتُ الأرض وتناولتُ حفنة مِن ثرى مصر وشممتها فانتفض جسدى وارتعش واغرورقت عيناى بالدموع على صديق عمرى الذى ضاع بسبب هذا التراب الذى بيدى.
ثمّ تأملته قائلاً ..التراب هذا فى كل بلد ، لكنه تراب من انتمى إليه ، فالمصرىُّ عندما يكون ولاءه لأمريكا يكون ترابها هو عزّته وكيانه ، وعندما يكون الأمريكىّ منتمياً إلى فلسطين يكون ترابها هو كيانه وعزّته ، وأنا أعشق تراب فلسطين كما أنّى لا أكره تراب بلدى .
أعشق تراب فلسطين التى وما زالتْ بين أنياب منظمة صهيونيّة عالميّة .
علىّ أن أصل إلى التراب الذى أحبّه ، التحفه غطاء وافترشه مرقداً ، وأناصره نصرا مؤزراً.
وإنّى أسأل نفسي ..طول عمرك يا بيتر وأنت تبحث عن كينونة الإله ولم تهتد لشئ ، طول عمرك تبحث عن الدين الذى تود اعتناقه ولم تهتد لشئ ،الشئ الوحيد الذى اهتديت إليه أن تكون إنساناً يا بيتر ، وأن تناصر الإنسان.لذلك يجب أن تناصر فلسطين .
إنّ فلسطين تحتاجك وتحتاج إلى علمك .لكن أين السابلة ؟
السابلة .. أين المفرّ .. المفرّ .... المفرّ .
وثبتُ منتفضاً وهاتفتُ الطبيب مؤيد أصيل الذى أعرفه جيدًا ، أعرف إنّه يحبُّ فلسطين كما يعرف عنّى مؤيد أنّى أحبّها أيضًا وطلبت منه أن يأتينى.
آتانى مؤيد مِن الوادى الجديد إلى حيث أوجد فى صحراء جنوب سيناء واصطحبنى مباشرة إلى منزله فى الوادى الجديد.
كلّمته على كلِّ ما يجيش بصدرى وأخبرته بحادثة الفندق وما كنت أنتوى فعله منذ أن جئتُ مع العالم المصرىِّ ألا وهو مناصرة القضية الفلسطينيّة.
وبالفعل قادنى إلى هناك حيث أقوم بعمليات زرع الوجوه لأفراد إتحاد المقاومة ليستطيعوا التخفّى والاندساس بين المخابرات الإسرائيليّة ، كما أقوم بإجراء عمليات لغير أفراد اتحاد المقاومة ليدفعوا لنا ما نستعين به على مقاومة إسرائيل.
ولقد قمتُ بالعديد من العمليات وأفدتُ المقاومة بمليارات مِن الدولارات .
وإنّى أعلم أنّ السي اي ايه والموساد يجدّون فى البحث عنّى ... وسيعرفون يومًا أنّ بيتر عاش للحق ومات على الحقِّ وسيُدوّن فى التاريخ رجل صادق حق.
وألقى بالورقة والقلم ، وتناول القرءان والإنجيل قائلاً .. الآن أعاود البحث للمرة الألف عن الإله فأينما أجده فيهما اتبعه.وقرأتهما فوجدتُ الإله فيهما، واحترتُ ولم أستطع الاختيار فالقيتهما جانباً لأطلق آخر أنفاسي فى هذه الحياة.
والآن.. تهدأ العيون وتنام يا بيتر ، ويطيب المنزل ، اليوم أُلقى ربّي فى تراب أرض مصر التى عشقتها.
إمضاء بيتر .. رسولٌ للسلام.
إنّ كبير قادة مقاومة نفق الوادى الجديد هو عبد الشهيد ، إنّه حافّ الشارب كثيف اللحية يلبس جِلباباً قصيراً يتعدى ركبتيه أو كاد ، وسروالاً يبلغ نصف ساقيه ، يعتمُّ بعمامة بيضاء.
اتصل هذا الكبير بالطبيب ليخبره أنّ بيروفيسور بيتر انتقل إلى رحمة الله تعالى وقد أدى صلواته قبل أن يموت .
انتقل الطبيبُ مؤيد على الفورإلى نفق الوادى لتوديع الجثمان قبل دفنه فى مقابر الأنفاق ، فلما وصل سال الكبير اى صلاة أداها ؟
فقال له .. لا أدرى ،، كل ما قاله لى يا عبد الشهيد دعنى اختلى بربي ساعة أوؤدى فيها صلاتى ولا يدخل علىّ أحد.
فسألته كم ركعة ستصلى ؟ سألته يا مؤيد لأعرف أيصلى صلاتنا أم لا؟
فقال لى ألم يكن ربّ القرءان هو ربّ الإنجيل هو ربّ التوراة يا عبد الشهيد ؟
-وأين هو ؟ سأله مؤيد.
-فى الداخل.
دلف الباب ودخل ، فوجد على صدره كتابيْن أحدهما داخل حافظة قاتمة والآخر عارٍ ، أزاحهما ثمّ احتضنه وصرخ باكيًا ثم قال بصوت متهدج متململ يصاحبه خنين ..
ما أطيبك ميتاً ، كما كنتَ حيًا ، عشتَ للحقِّ ومتّ على الحقّ وكنت مثالاً للعالِم الذى خدم الإنسانيّه بعلمه .
وظلّ بجانبه فترة يمعن النظر فى قسماته التى ودّعتْ الحياة ، ذاك الملاك الذى ودّع حياة الغاب .ثم تناول الكتاب الذى أزاحه ،، فوجده الإنجيل ، ثم تناول الكتاب الثانى وفتح السوستة القاتمة ليراه ،، توسّع بؤبؤا عينيْه وانكفأ بنصف جسده إلى الأمام وحدّق فيه.... يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق