أبحث عن موضوع

الأربعاء، 17 فبراير 2016

المقامة الرّوحانيّة.................. بقلم : منير صويدي // تونس




حدّث حنظلة قال:
تاقت الرّوح في خريف العمر إلى بعض النّفحات.. واشتاقت النّفس إلى التطهّر ممّا مضى وفات.. فاستمسكت بحبل المناجاة، راجيا التنعّم بما هو آت..
تأمّلت أبواب المدينة وأرصفتها، وطفت شوارعها وأزقّتها، حتى آل بي المسير إلى جامعها الكبير، فإذا الناس فرادى وجماعات، متناثرين في الساحات والباحات، تتعالى حناجرهم بالتّهاليل والدّعوات، غير عابئين بالرائح والغادي، أو المتخفّي والبادي..
أخذت من المكان ركنا قصيّا، أرقب منه حال المريدين سجّدا وبكيّا، فوجدتني أتسامى وأتعالى عن سِمات البشر، وأعرج إلى السماء في ساعة السّحر، ويذوب الطين منّي، وتتلألأ الأنـوار، وتغيب الدّنيا عنّي، بالابتهالات والأشعار:
"لبّيك يا العزيز الغفّـار..
حنانيك يا الواحد القهّار..
رحماك يا القويّ الجبّـار.."
ظللتُ كذلك حتّى أصبحت بلا ظلّ، وأنا أتمثّل قوله تعالى "هل من مدّكر.." فغمرتنى سعادة الوجود، وطاب المستقرّ، وأيقنت في برهة أنّني روح نشْوى تفيض على الزّمان.. ونفس ولهى لا يحتويها المكان ، وذات مجرّدة تتسامى عن بني الإنسان..
وفجأة ارتجّت الأرض بصوت المنادي.. " حيّ على الصّلاة.. حيّ على الحياة.." فرفعت من السّجود بدمع مسكوب، وقلب معنّى بالمعاصي والذّنوب، ونفس ترجو من الله أن تتوب، ولسان متلعثم، يناجي نفسه ويتألم:
"الدّنيا سـاعة..
والنّفس طمّـاعة..
دينها الذّهب والمال..
وعالمها الوهم والخيال..
فعلّمها القنـاعــة...
وأدخلها بيت الطّاعـــة.."
....
اقتربتُ منه أستسيغ كلامه، وأخفّف منْ آلامه، فإذا هو يبكي بكاء مرّا، ولا يُخفي عن المحيطين به سرّا.. هدّأت من روعه، وخفّفت من حزنه، فاستكان مختنقا.. ثمّ انطلق مشرّقا.. حيث لا معصية ولا غِواية.. فأدركتُ أنه يتطهّر .. طلبا للنهاية..
**********
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق